سنوات من فتح المسلمين للإسكندرية، ثار أهلها وشقّوا عصا الطاعة، فاضطر العرب إلى هدم جانب من تلك البلدة الجميلة، ولكن حتى مؤرخي النصارى الحاضرين، يعترفون بأنهم لم يقصدوا بذلك تخريباً وانتقاماً، وإنما ألجأهم إليه المحافظة على البلدة. أما الرواية القائلة بأن العرب وجدوا من بقايا خزانة الاسكندرية كتباً كثيرة، فأخذوا يوقدون بها أتاتين الحمامات مدة ستة أشهر، فالمؤرخون اليوم يرون ذلك حديث خرافة. ولم توجد هذه الرواية في كلام أي مؤرخ إلاّ بعد مضي ستة قرون من فتح مصر. وقد بحث بتلر ( A.J. Butler) بحثاً دقيقاً في هذه المسألة، في كتابه: فتح العرب لمصر، وختم كلامه بأن هذه الرواية أسطورة حقيرة، وليس لها أساس تاريخي البتّة. وذكر ستانلي بول هذا الكلام نفسه في الجزء السادس من كتاب: تاريخ مصر، تأليف فليندرس بتري ( Flinders Petrie) : وليس هناك بيِّنة على أنه كانت بالإسكندرية خزانة كتب عمومية في ذلك الزمان، والظاهر أن النصارى كانوا قد أحرقوا جميع الكتب وأتلفوا ما بقي منها تدريجياً في مدة طويلة قبل ذلك بزمان.
وقال المؤلف ماك جب: لا أعتقد أن الرق كان من سيئات العرب، لأن عبيدهم كانوا أسعد حظّاً من معظم سكان أوروبا. وإذا علمنا أن النصرانية لبثت ثمانية أو تسعة قرون تذمّ الرق، ثم باركت على استرقاق السود، فكيف تنتظر من العرب أن يبطلوا الرق في ثلث تلك المدة؟
وقال المؤلف: ولست الآن بصدد التحقيق في آداب العرب في النكاح، ولكني من حيث أنا مؤرخ في الأخلاق، أستنكر ما يقوله بعض مَن لم يحقق الأمر من عامة المؤلفين، فذكروا أن العرب كانت أخلاقهم في تلك الناحية فاسدة، وأنهم كانوا فاسدين هادمين لصلاح المجتمع، فإن الحقائق التاريخية تكذِّب هذا القول، وكل كتاب معتبر في الحضارة العربية، بل حتى الفصول القليلة من تاريخ القرون الوسطى المطبوع في كمبرج، تشهد أن العرب كانوا يعطون الحياة حقّها، وكانوا خير أمة أخرجت للناس، من أوّل التاريخ إلى٣٣٣٣٣٣