الآن. وإذ قد عرفت أخلاق العرب، واعتدالهم في أمور النكاح، فدونك لمحة تبين لك أخلاق رجال الكنيسة، فضلاً عن غيرهم من الأوروبيين في ذلك الزمان: إن عمل قوم لوط كان شائعاً في ذلك الزمان في جميع أنحاء أوروبة. وفي أواسط القرن الحادي عشر، رأى الكردينال بطرس داميان أن اللِّواط شائع بين القسيسين والرهبان في إيطاليا، وبلغ الأمر في أنه ألف كتاباً في ذلك وأرسله إلى البابا (ليو التاسع) والتمس منه أن يتدارك ذلك الأمر، ويأخذ في قطع ذرائعه وأسبابه، يستغيث به أن يعاقب كل راهب أو قسيس، يثبت عليه اللواط، بحلق رأسه والبصاق في وجهه وحبسه في غرفة مظلمة، ولما وصل كتابه إلى البابا، تقبله وأظهر الارتياح به، إلاّ أنه رأى ألاّ يبلغ العقاب بأولئك الفسّاق إلى الحد الذي أقترحه الكردينال المذكور، ولكن بما هو أخف وأليق بالرحمة والشفقة، فبقيت تلك الفاحشة جارية كما كانت، واسم كتاب داميان الذي أهداه إلى البابا:(عمورية) وهو اسم قرية قوم لوط. وفي كتاب داميان ما هو أدهى وأمرّ، مما يدل على تمام الهمجية، وهو الزنا بالمحارم، وأنه كان شائعاً هناك أيضاً.
قال المؤلف: لقد أطلقت لفظ: (العصور المظلمة) كسائر المؤلفين في كتابي هذا، على أكثر عصور الممالك النصرانية انحطاطاً على العموم، وخصوصاً القرن العاشر المسيحي. تنصّرت الممالك الأوروبية قبل ذلك بأربعة قرون أو بخمسة قرون أو ستة قرون تقريباً مضت من يوم تغلب (البابوات) والأساقفة على إدارة الملوك، وحملوهم على إبادة كل مصادر الإلهام يخالفهم أو يباريهم، فأغلقوا المدارس والمعابد، وقضوا على العلم والأدب، وإذا استثنينا بعض المواضع في أوروبة كالبندقية، إذ كان فيها بقية تافهة إصلاحية من علم اليونان تخفِّف من شرّهم وهمجيتهم، فإن أوروبا كلها كانت في ثباب وخراب اقتصادياً واجتماعياً وعقلياً. ومن ذلك الزمان أطلق الأساقفة والقسيسون والرهبان والراهبات الأعنّة في الدعارة والشهوات البهيمية، ولم يكونوا في ذلك الزمان يتسترون حتى بجلباب النفاق. ولو أن