دينهم في أرجاء العالم. وفي وقت قصير جداً، استولوا على المدنيتين القديمتين الفارسية والمصرية، ولم يمض عليهم زمن طويل، حتى أنشأوا مدنية عربية إسلامية. وكما قال سكوت: "لم يكن بين الهمجية والجهالة الصحراوية وبين الاستقرار والثقافة العقلية في عواصم الأمويين والعباسيين إلاّ أقل من مائة سنة. وكان العرب في الخشونة وعدم التهذيب الثقافي مثل التيوتونيين، ولكنهم لما استولوا على المدنية القديمة صاروا متمدنين تماماً خلال قرن واحد. ولكن ينبغي لنا أولاً أن نعلم، كيف صار هؤلاء العرب المحمديون (موراً)، ودخلوا أوروبا، بعدما فتح العرب مصر، كانوا لا يزالون متعطشين إلى الفتح، فولّوا وجوههم تارة أخرى شطر الغرب، وواجه أبناء العرب الصحراء فلم ترعهم ولم يعبثوا بها، ولكن البحر أفزعهم، وقد سمعوا أن وراء الصحراء أرضاً خصبة زكية التربة، تونس والجزائر ومراكش، التي عمرها القرطاجيون والرومان وجعلوها غنية، ولذلك توجّه أحد القواد العظام في (٢٠٠٠٠) من الخيل والركاب سنة ٦٤٦ م وتوغلوا في مجاهل الصحاري، فاجتازوا مسافة ألف ميل من الأرض على شاطئ إفريقية الشمالية، وفي نحو نصف قرن، حكم العرب الشاطئ الجنوبي للبحر الأبيض كله، وطمحوا بأبصارهم بنهمة وشره إلى أراضي الشاطئ الشمالي الغنية.
واستوطن بعضهم مع المور -البربر السود- كما يزعمون، والحق أن البربر بيض بياضاً قاتماً وليسوا سوداً. في الشاطئ المقابل لجبل طارق، ولا شك أنهم تزوجوا منهم، فلذلك صاروا يعرفون عند الأوروبيين بالمور، والقلعة الحصينة التي كانت في الشاطئ الأوروبي حركت رغبتهم، وكانت بيد قائد يوناني يدعى يوليان، تحت حكم إمبراطور الرومان إسمياً. وفي سنة ٧٠٩ م أو ٧١٠ م صار يوليان حليفاً للمور. ويحكى أنه أرسل ابنته إلى قصر ملك القوط الغربيين فاعتدى الملك على عفافها، فاستشاط لها يوليان، وعزم على الانتقام، فدعا أمير العرب إلى العبور إلى الشاطئ الأوروبي وفتح إسبانيا، ووصف له الكنوز والأموال المدهشة التي في قصر ملك القوط وكنيستهم