الزمان من فلك وفلسفة وطب وغيرها. وكانت النساء يتبرقعن خارج بيوتهن، ولكنهنّ كنّ مكرمات وفي منازلهن كنّ مشرفات ومحترمات.
ولا حاجة بي إلى أن أتكلم عن ظرف العرب وشهامتهم، لأنهم هم الذين طبعوا الشعب الإسباني طبعاً لا يُمحى أبداً على الاحترام الشخصي واللطف الذي لا يزال من خواصه المستميلة حتى في الصناع والفلاحين. وهناك مزيّة أخرى يمتاز بها العرب، وهي التسامح الديني، وفي أول الأمر كان هناك بلا شك شهداء - يعني مقتولين لمخالفتهم عن الدين - ولكن لا مناسبة بين تلك المذبحة التي عملها الإسبانيون أخيراً في ذرية العرب. وأما بعد استقرار المملكة العربية في الأندلس، فإذا استثنينا معاملتهم لطوائف الثوار من النصارى، كأهل طليطلة الذين كانوا دائماً ينتظرون الخلاص من ناحية الشمال، فقد كان أهل الأديان جميعاً يعاملون بالحسنى، وكانت على يهود والنصارى فريضة مالية قليلة تخصهم، وكانوا يتمتعون بحماية حقوقهم، فكثر عددهم، وعظم بذلك الخرج الذي يؤخذ منهم، فكان الخلفاء لا يشجعون على دعوتهم إلى الدين مخافة نقصان الجزية، ورخصوا لنصارى طليطلة في المحافظة على كنيستهم الكبرى. وأخيراً اشتريت منهم بثمن غالٍ جداً، ورخصوا لهم بأن يبنوا عدداً من الكنائس. وكانت لهم في طليطلة ست كنائس، وكانوا مستمسكين بالعلاقات الودية مع جيرانهم، حتى أثار فيهم القسيسون الضغينة الدينية. وأما ما يخص يهود الذين كانوا يتمتعون بعصرهم الذهبي حينئذٍ، وارتقوا إلى أعلى درجة في العلوم، ونالوا أعلى المناصب في دولة العرب، فأتكلم عليهم في فصل آخر، وهذه النبذة العامة في ذكر مدنية العرب، ستزداد وضوحاً وتفصيلاً عند الكلام على وصف حياة قرطبة وغرناطة. ولابد أن القارئ علم مما ذكرناه آنفاً تفوق المدنية التي يزعمون أنها وثنية تفوقاً خارقاً للعادة، ولابد أنه رأى أثرها في أوروبا المتوحشة، وهذا صحيح لا يمتري فيه أحد من المؤرخين. والمؤرخون لا يقابلون بين العرب والنصارى، لأنهم لو فعلوا ذلك لكانوا كالذي يقيس أهل بوستن -