يستعملون نعمها استعمالاً موزوناً. وتبعة ذلك معظمها يعود إلى النصرانية، ولكن الطبقة العليا من اليونان والمثقفين والمفكرين وصلوا إلى قريب من المثل الأعلى. وعندهم أنّ الحكمة كلّ الحكمة أن نعرف كيف نعيش، ذلك إنما يكون بترقية الجسم والعقل والأخلاق بعناية سواء وحماسة سواء. لا يفضّل واحد من هذه الثلاثة على قسيميه بشيء، وحتى أثينا كانت فيها معركة مستمرة لا نهاية لها بين الفلاسفة الإشراقيين أتباع زينو، أعداء الاستهتار الّلد وخصومهم السايبراتيين أنصار الاستهتار بالشهوات وزعمائه، حتى أبو قراط نفسه لم يكن يعطي للجسم حقه خلافاً لما يعتقده فيه عامة الناس. ولا نقول: إنّ العرب وصلوا إلى درجة الكمال، لكن مثلهم الأعلى كان معقولاً وممتازاَّ، والنصارى الذين يطعنون فيهم ينقبون في تواريخهم الواسعة، وفي الأكثر في التواريخ الخسيسة التي ألّفها أعداؤهم الإسبانيون غير الموثوق بهم، حتى إذا ظفروا على سبيل الندور بشيءٍ من القسوة أو الخيانة أو الفجور، أخذوه فرحين. وأطالوا في شرحه، بقصد التشّفي والتّشنيع. وكلّ مدنية تشعّ على ثلاثين مليوناً من النفوس السعيدة المغتبطة، لابد أن يوجد فيها أمثال تلك الهفوات النادرة، ولكن إنما يستغلها ويتجاهل الأخلاق الحسنة التي كانت غالبة عليهم، المؤلفون المخادعون الذين يُضلِّون مَن يقرأ كتبهم، بذكر أعمال استثنائية وقعت على سبيل الشذوذ والندور. لقد قرأت جميع التآليف التي أُلّفت في سيرة العرب مستندة على ما كتبه المعاصرون لهم، فرأيت يقيناً لا ريب فيه، أن أخلاقهم كانت سامية. ومن فضائلهم أنّهم تجاهلوا الزهد والتقشف، وتمتعوا في حياتهم بجميع اللذات التي يقضي بها الاستعمال الحكيم للنساء والشعر والموسيقى. وأما غيرتهم على شرفهم وشهامتهم، فهناك ألف قول وألف عمل يجليها لك في أكبر التآليف التي أُلّفت في تاريخهم، وقد ظهرت آثارها في شهامتهم المعروفة في الحروب.
وليس ظهورها بأقلّ من ذلك في تمسامحهم مع السكّان والزوّار من النصارى ما داموا مستقيمين في سلوكهم، وفي معاملتهم ليهود بمقتضى