في الوجهة الاجتماعية، وكانت نوادره وحكمه تروى حكماً وأمثالاً في جميع بلاد الأندلس.
وأين يوجد حتى في هذا العصر الحديث، ملك مثل الحَكَم الثاني، الذي كان له شغف في العلوم، حتى إنّه كان له رجال يجمعون الكتب من جميع النواحي في إسبانيا وأوروبا، حتى صارت خزائنه الخاصة تحتوي على أقلّ تقدير (٠٠٠، ٤٠٠) وبعض المؤلفين يقولون (٠٠٠، ٩٠٠) كتاب خطّي، وقد أضافوا إلى الأشعار العربية والفارسية تراجم أشعار اليونانيين. وترجموا إلى العربية كتب أرسطو وأفلاطون وأقليدس وسائر كتب المتقدمين. وألّفوا كتباً كباراً تبهر العقول في الطب والجغرافية والفلسفة والفلك والكيمياء والتاريخ. ومؤرخو ذلك العصر يريدوننا أن نعتقد أنّ الحَكَم كان عالماً بمضامين الخمسمائة ألف كتاب التي كانت تشتمل عليها خزائنه. وكانت تآليفه محلّ الإعجاب في جميع العالم، ولم يكن مستبداً أرستوقراطياً من الوجهة العقلية، وأنشأ في قرطبة عشرات المدارس غير ما كان بها من قبل، وأمر أخاه (وزير المعارف) أن يسهّل على جميع الناس اكتساب العلوم. والمؤلفون الذين يتجاهلون الحَكَم الثاني ويخوضون فيما وقع من عبد الرحمن الأول من القسوة على سبيل الندور والقلّة ويفيضون في قسوة عبد الرحمن الثالث، يخدعون قرّاء كتبهم.
وهذه الغيرة على بث العلم كانت عامّة في ملوك العرب، ونظام التعليم عندهم يذكر بما كان من ذلك فى روما الوثنيّة، ويبشّر بنظام التعليم في هذا الزمان. وكان ذلك وادياً خصيباً في صحراء الجهل الكبرى التي امتدت من القرن الرابع إلى القرن التاسع عشر، لأنّ النصارى الإسبانيين أخربوا مدارس الأمة، كما فعل أسلافهم النصارى. وسكوت الذي هو أقوى برهاناً وأكثر تفصيلاً، أخبرنا مراراً أن المعارف كانت منتشرة في جميع الطبقات: "كان في كلّ قرية مدارس كافية لحاجة أهلها، وكان التعليم فيها قائماً على أفضل التسهيلات وأنفعها، كل الأطفال الذين قعد بهم العدم عن التعليم، كانت