للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحكومة تعتني بهم وتؤسس لهم مدأرس مجانية على نفقتها (الفصل الثالث - ص:٤٩٧) ".

وعلى هذا نقول: إنّه تعذّر أن يوجد فلاّح أندلسيّ لا يعرف القراءة والكتابة، فى حين كان ملوك بقية أوروبا لا يقدرون أن يكتبوا أسماءهم في توقيعاتهم، وكذلك أشراف الروم من أعلى الطبقات لم يكونوا يقتدرون على القراءة والكتابة، وتسع وتسعون في كلّ مائة من أهل الممالك النصرانية كانوا أميين تماماً، وكانوا على غاية من الجهل لا يمكن تصورها، أضف إلى ذلك أنّ المعارف عند العرب كان معناه أوسع بكثير جداً مما كان في روما الملكيّة، وكان لهم من الغيرة على العلوم مثل ما كان لهم من الغيرة على الشعر.

وكانوا يعتنون بالتعليم العالي ويعضدونه أكثر من التعليم الابتدائي، فقد كان في قرطبة ثمانمائة مدرسة، وكان التلاميذ يأتون من أقاصي الأرض ليتعلّموا فيها، وكانت للفقراء منهم دور إقامة أعدّتها الحكومة مجاناً لهم، ولهم في فيها أرزاق من بيت مال الدولة تقوم بحاجتهم من طعام وشراب ولباس، وكانوا يعطون زيادة على ذلك شيئاً من الدراهم معلوماً لكل واحد منهم، ولم يكن هناك اختصاص في التعليم إلاّ لمن يريد التخلّص من بعض التبعات. وقد قال اسكوت: "إنّ الجامعات والكليات الأندلسية كانت متسامحة ترحب باليهود والنصارى والمسلمين على حد سواء". وللعرب مثل سائر: "افترق العالم فريقين: فريق لهم علم بلا دين، وفريق لهم دين بلا علم" (١).

مَن ذا الذي لم يقرأ يوماً من الأيام، في مدرسة العمر العجيبة، تأسيس الجامعات الأولى الذي ألهمته النصرانية - بزعمهم - في القرنين الثاني عشر والثالث عشر؟ وإني سائل والعجب آخذ مني كل مأخذ: كم واحداً ممن قرأ كتابي هذا، قرأ قط أنّ إسبانيا المحمديّة كانت قبل ذلك بثلاثة قرون، كانت


(١) يريد بذلك قول الشاعر:
أصبحت فيمن له دين بلا أدب ... ومن له أدب خالٍ من الدين
بقيت فيهم غريب الشكل منفرداً ... كبيت حسان في ديوان سحنون

<<  <  ج: ص:  >  >>