وكان أرسطو يكره الهراء الذي يسمى فلسفة إفلاطون في الإلاهيات وما وراء الطبيعة، وكان أرسطو أفضل من عرفت العرب من الحكماء المتقدمين، وأعظم تحقيقاً للمسائل العلمية. وإنه ليزيدنا إعجاباً بهذه الأمة - أمّة الشعراء وعشاق الجمال، أنهم قدَّسوا أرسطو حتى كادوا يؤلهونه. وما بلغ عمر ابن سينا ستة عشر سنة، حتى صار من كبار العلماء، وصار وزيراً عظيماً وهو ابن ثلاثين. وأفيروس واسمه الحقيقي: ابن رشد، هو الذي ألّف الشرح الشهير لكتاب أرسطو. وذكره دانتي (١) في كتابه: الكوميديا الإلهية، وهو الذي أثنى عليه حتى الراهب سافونارولا ( Savonarolla) وقال فيه: "رجل كانت له عبقرية ربانية، وكان مكباً على الدرس ومنهمكاً فيه، حتّى إنّه لم يترك الدرس إلا ليلتين في حياته: ليلة عرسه، وليلة وفاة والده".
وكان ابن رشد، وهو من فلاسفة العرب، طبيب الأمير ورئيس قضاة قرطبة، وقد خدم فلاسفة العرب العلم والفلسفة سواء، وكان على ذلك المتخصصون في العلوم هم الذين خدموا العالم أعظم خدمة، ولا سيما الرياضيات والفلك والكيمياء والطب.
والفصول الطوال الثمانية والعشرون التي يحتوي عليها كتاب اسكوت ليست إلاّ إشارة مختصرة لأعمال العرب العظيمة، ولا ينصفهم بأعمالهم إلاّ مجلّد ضخم.
وكان علم الهيأة من أجلّ علومهم التي هذّبوها، وكان علماء الفلك في بغدادهم الوارثين لعلوم بابل والإسكندرية، وانتقل ذلك إلى الأندلس. وكانت بيوت العبادة - المساجد - تستعمل مراصد لمراقبة حركات الأجرام السماويّة، كما كان في بابل، فكانوا يرصدون النجوم على رؤوس المنائر. ولعل الكلدانيين علماء الفلك منهم، قد اكتشفوا كلّ ما يمكن اكتشافه بالعين المجردة، ولكن علماء الفلك من عرب الأندلس، كانت لهم آلات ذات دقّة
(١) أنظر لمحة من سيرته في الموسوعة العربية الميسّرة (٧٧٨).