للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النصارى كجربرت وروجر بيكن وألبرت الكبير ( Albert The Great) ١١٩٣-١٢٨٠ م، وكروسست ( Robert Grosseteste) ١١٧٥ -١٢٥٣ فهم الذين علّموهم.

فاقرأ مثلاً سيرة جربرت، تجده قد ولد في جنوبيّ فرنسة، وتعلّم في برشلونة ثمّ في جامعة قرطبة، فكلّ ذرّة من علمه المعتبر جاءت من العرب المسلمين. فتح جربرت مدرسة في إيطاليا، فقامت قيامة الرهبان وأثاروا الرعاع عليه، فأحرقوا مدرسته وكسروا أدواته وشتتوا شمل تلاميذه. والحكّام الماديون، لم يسعهم إلاّ أن يكرموا عالمهم النصراني الذي ليس لهم غيره، فبمساعدتهم صار أسقفاً، ومن مساخر التاريخ أنّه صار بعدُ بابا وسمّي: (سيلفستر الثاني) وكان ذلك في أسفل عصور البابويّة، وبعد أربع سنين مات، وهناك تهمة قويّة أنه مات مسموماً، فلعنت الكنيسة ذكراه، ثم هي اليوم تفتخر به.

لكنّ روح علوم العرب المسلمين الحقيقية لم يمكن قتلها، فثقب نور مدنيتهم المشرقة ضباب الخرافة والجهل، ونتج شيءٌ من الحياء ومكارم الأخلاق، وحرّك رغبة أوروبا في العلوم العقلية. وفي القرن الحادي عشر (التالي لعصر قرطبة الذهبي) أخذت أوروبا تخرج من بربريتها، ومعظم أسبابه التقدم السياسيّ الذي نشأ عنه التقدم الاقتصادي، فصارت القرى مدناً، والمدن الصغيرة أمصاراً، والعامة أحرزوا قسطاً من العلم، والأشراف طمحوا إلى المعالي. ولما حصلت اليقظة الفكريّة في الممالك النصرانية، كان لزاماً أن تؤثر فيهم المدنية الأندلسية الزاهرة آثارها.

وليس هناك موضع، أسفت على ضيق المجال فيه طبقاً لبرنامجي، مثل ما أسفت عليه في هذا الكتاب، لأن تاريخ العرب المسلمين العلمي عظيم، وخدمتهم للنوع الإنسانيّ عظيمة جداً ومهمة. وقد غمط أكثر المؤرخين حقّهم، ولعبت أيدي المؤلفين المتعصبين لدينهم - يقصد النصارى - دوراً عظيماً، ومكروا مكراً كبّاراً في إخفاء فضلهم، فوجب عليّ أن أقف وقتي

<<  <  ج: ص:  >  >>