الأمر إنما هو علم إضافي لتكميل علم الطب، أي علم العقاقير. ووجد العرب المسلمون في هذه الوجهة أمامهم عقبة كئوداً بسبب المتعصبين في التصدي لتشريح أموات البشر، ولكن لا نشك في أن كبار مدرسي الطب العرب شرّحوا الحيوان، بل لا نستبعد أنهم شرحوا أجساد الأناسيّ خفية. وعلى كلّ حال فخدمة الأطباء العملية، كانت قد ارتفعت هناك إلى مستوى عالٍ، وكانت بقيّة أوروبا في الحضيض الأسفل. وكان أكثر العلماء كيفما كان علمهم ماهرين في الطب، ويروى أن دور الأطباء، حتى أكابر الأغنياء منهم، كانت مفتوحة في كلّ وقت للفقراء، وهم الذين أدخلوا كثيراً من العقاقير إلى أوروبا.
ولم يكونوا في خدمة التاريخ، أقلّ حماسة منهم في خدمة العلوم والفلسفة والشعر. وتقدم علم تخطيط البلدان (الجغرافية) عندهم تقدّماً أساسياً، لأن العرب كانوا ملاّحين شجعاناً حذّاقاً في الملاحة في وقتهم. فكانت رحلهم واسعة على قدر طموحهم وولعهم الشديد بحبّ الاستطلاع والتنقيب. وليس فضلهم في خدمة علم النبات بأقلّ مما سبق، لأنّ الخلفاء بعثوا العلماء لمراقبة الأعشاب والبقول عن كثب في جميع نواحي إسبانيا. وكانت حدائقهم فنيّة على مقتضى علم النبات تحتوي على طرائف الشرق والغرب. وكانت عندهم أيضاً طرائف أنواع الحيوان، لدرس علم الحيوان، ولهم ملاحظات وتنبيهات في التاريخ الطبيعي تختلف عن القصص الجاف الذي يرويه أهل البلدان الأخرى.
وهذه الأخبار - وإن كانت مختصرة جداً - فهي كافية في دلالة القارئ على أنّ العرب المسلمين هم الذين وضعوا فاتحة هذه المدنيّة الجديدة في أهم نواحيها. والحق أقول: إنّ هلاك ثقافتهم الذي يبدئ ويعيد المقررون في تقريره ببلاغة، ويسمونه:"طرد الكفار"، قد أوقف رقيّ النوع البشري مدّة من الزمان. ومهما كان فلم يكن إطفاء أنوار علومهم كلّها، ولهم أوّلاً، ثم لليونانيين الأقدمين بواسطتهم، يرجع الفضل في إيجاد طلائع العلم من