ذلك دليل قاطع على ثقة موسى بطارق، الذي أصبح والياً على منطقة طنجة، وقائداً لحامية مدينتها بخاصة والمجاهدين من البرير بعامة، ومشرفاً على نشر الإسلام وتعليم القرآن وتعاليم الدين الحنيف، فأثبت أنّه أهل لتلك الثقة، وقادر على النهوض بواجباته الكثيرة بكفاية عالية وحماسة وإيمان وإندفاع.
وقد أتاح الاتِّصال المباشر لطارق بموسى بن نُصير، فرصة إظهار مواهبه الإدارية والقيادية، فولاّه موسى منصب الوالي على طنجة، ومنصب القائد على قوّاتها المسلحة. ولكن هذا الاتِّصال المباشر لطارق بموسى باعتبار أنّ طارقاً هو مولى لموسى، ليس السبب لتولية طارق هذين المنصبين الرفيعين، في أخطر منطقة من مناطق الشمال الأفريقي بعد فتحه، إذ لا يمكن إسناد مثل تلك المناصب في أخطر الظروف والأحوال، إلاّ لمن يستحقها كفاية واقتداراً، وإلاّ كانت نتيجة تولية غير ذوي الكفاية والقدرة كارثة محققة أكيدة تصيب الفتح والفاتحين، وتؤدي إلى خسارة المنطقة بكاملها بالإضافة إلى خسائر بالأرواح والممتلكات وتحطّم المعنويات، وهذا ما لا يمكن أن يقع فيه قائد مجرِّب حصيف مثل موسى بن نُصَير، ومن المشكوك فيه أن يقع فيه قائد غير مجرِّب وغير حصيف أيضاً.
إنّ الاتصال المباشر لطارق بموسى، أتاح له الفرصة لإظهار كفاياته الإدارية والقيادية، وهذه الكفايات لاتصاله المباشر بالقائد العام لشمالي إفريقية، هي التي جعلت المناصب الإدارية تسعى إليه ولا يسعى إليها. وقد أتاحت المسيرة الطويلة في الجهاد لموسى، أن يكتشف عن كثب كفايات طارق، فولاّه الإدارة والقيادة عن اقتناع. وكان ذلك في حدود سنة تسعين الهجرية (٧٠٩ م)، وأبقى معه عدداً قليلاً من العرب، مهمّتهم نشر تعاليم الإسلام بين البربر (١).
(١) ابن حبيب (٢٢٢) وابن عبد الحكم (٢٠٤ - ٢٠٥) وذكر بلاد الأندلس (٨٣ - ٨٤) رقم ٨٥ج وابن الأثير (٤/ ٥٤٠) ووفيات الأعيان (٥/ ٣٢٠) والبيان المغرب (١/ ٤٢) والنويري (٢٢/ ٢٢) وابن خلدون (٤/ ٤٠٢) ونفح الطيب (١/ ٢٣٩) وانظر تاريخ =