للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اتصالات يليان بموسى. وقد تردّدت الخلافة بادئ الأمر بالموافقة على القيام بمثل هذه العملية الكبيرة، وخوفاً على المسلمين من ركوب البحر، ومن مصاعب القتال بحراً وبرّاً، وهي تعلم أنّ خبرة العرب المسلمين في فنون القتال البحري قليلة جداً، وربما يدور في خلدها وصف عمرو بن العاص للبحر في رسالته إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه التي جاء فيها: "إني رأيت خلقاً كبيراً يركبه خلق صغير، ليس إلاّ السماء والماء. إن ركد خرق القلوب، وإن تحرّك أزاغ العقول. يزداد فيه اليقين قِلَّةً، والشكّ كثرة. هم فيه كدود على عود، إن مال غرق، وإن نجا برق ... ".

ولكن موسى بن نُصير، أقنع الخليفة الوليد بن عبد الملك بالأمر، فتمّ الإتفاق على أن يسبق الفتح اختبار مواقع الإنزال بالسرايا الاستطلاعية.

وأرسل موسى في شهر رمضان سنة إحدى وتسعين الهجرية (٧١٠ م) سرية استطلاعية إلى جنوبي الأندلس، مكوّنة من خمسمائة مجاهد، منهم مئة فارس والباقي مشاة، بقيادة طريف بن مالك الملقّب بأبي زُرْعَة، وهو مسلم من البربر (١).

وعبر هذا الجيش الزُّقاق، والزُّقاق اسم يطلق أحياناً على المضيق بين الأندلس وشمالي إفريقية (٢)، من سبتة بسفن يُليان أو غيره، ونزل قرب أو في جزيرة بالوما ( Isla de las Palomas) في الجانب الإسباني، وعُرفت هذه الجزيرة فيما بعد باسم هذا القائد. جزيرة طَريف (٣) ( Tarifa) ومن ذلك الموقع، الذي اتخذه طريف قاعدة أمامية متقدِّمة لعلمياته الحربية، قام طريف وسريته


(١) نفح الطيب (١/ ١٦٠، ٢٢٩، ٢٣٣، ٢٥٣) والروض المعطار (٨ و ١٢٧) والبيان المغرب (٢/ ٥) وانظر التاريخ الأندلسي (٤٥).
(٢) التاريخ الأندلسي (١٣٠) نصّ ابن الشباط، والروض المعطار (٨٣ و ١٢٧) ومقدمة ابن خلدون (١/ ٤٢٧).
(٣) دولة الإسلام في الأندلس (١/ ٢٠) وفجر الأندلس (٦٧) وانظر الفتح والاستقرار العربي والإسلامي في شمال إفريقيا والأندلس (١٦٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>