زياد، فيرى: أن أسلوبها ليس أسلوب ذلك العصر - سنة اثنتين وتسعين الهجرية - أي أواخر القرن الأول الهجري، فالسّجع الذي انتظم كثيراً في عباراتها، والذي كان يتتالى على مدى خمس جُمل أحياناً، لم يعرفه العرب في أساليب تلك المدة الزمنية. ثم إن طارق بن زياد، كان أول عهده بالإسلام والعربية عام تسع وثمانين للهجرة، وهو العام الذي استولى فيه موسى بن نصير على المغرب، فاستولى الإسلام على قلوب أهلها، واستولت لغته العربية على ألسنتهم، فهل يُعقل أن يكون قد اكتسب في هذه السنوات الثلاثة اللسان العربي الفصيح والملكة البلاغية الرفيعة التي تؤهله لإلقاء مثل هذه الخطبة التي احتلت تلك المكانة الرفيعة بين خطب فصحاء العرب؟ أما العربان الذي ذكرهم طارق في خطبته:(وقد انتخبكم الوليد من الأبطال عرباناً)، فلم يكونوا في حقيقة الأمر، وتبعاً للمصادر التاريخية الموثقة، عرباناً، بل كان معظم أفراد الجيش الذي جهز منه طارق حملته من برابرة المغرب. وإذاً، فلا بد من الوقوف وقفة شك كبير أمام هذا التنافر بين الواقع التاريخي بجوانبه المتعددة، وواقع الخطبة التي بين أيدينا.
ومما يزيد هذا الشك رسوخاً، تلك الحقيقة التاريخية التي عُرفت عن الجيوش الإسلامية عامة - ولاسيما في تلك القرون الأولى من حملات الإسلام - وهي أن هذه الجيوش لم تكن تغزو للغزو والغنائم التي ينالها الغزاة عامة، بل كانت تغزو في سبيل فكرة وعقيدة.
ثم يقول:" ... ومع ذلك، فنحن لا نملك أن نجزم بأنها ليست لطارق بن زياد حقاً"(١).
وكان بطرس البستاني، قد شكك في نسبة هذه الخطبة إلى طارق، فهو يرى أن طارقاً كان فارسي الأصل متعرِّب لا بربري، حديث العهد بالعربية والإسلام، وأنّه كان حسن الكلام، فما هو تأثير خطبته في جيش من البرابرة
(١) مجلة العربي الكويتية - العدد ٢٩٣ - نيسان (أبريل) ١٩٨٣ م- (٩٦ - ٩٧).