للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويبدو أنه لم يكن هناك أي أمل في أن يتمكن هذا الجيش القوطي من مقاومة الهجوم الإسلامي، وأن دور أسرة غيطشة في ترجيح كفة المسلمين، قد تعرّض إلى كثير من المبالغة (١). وكانت صفوف الجيش القوطي تتألف من أتباع آل غيطشة وأتباع حلفائهم من الزعماء والأمراء الناقمين على لذريق، والذين تظاهروا بالإخلاص في وقت الخطر، وكلهم يتحيّن الفرصة للإيقاع بالملك المغتصِب لذريق (٢)، فكانت الخيانة تمزق جيش القوط شرّ ممزّق. واستمال يليان والأسقف أوباس وهما في صف المسلمين كثيراً من جند القوط، وبثّا بدعايتهما في الصفوف الموالية للذريق كثيراً من عوامل الشقاق والتفرقة، فأخذ كل أمير يسعى في سلامة نفسه (٣). وكان ذلك كافياً ليوقع الفوضى في جيش لذريق، فاضطرب نظامه ولاذ مَن بقي منه بالفرار وأسياف المسلمين في أقفيتهم، وقد قتل من القوط في تلك الأيام عدد عظيم، ولم يعثر للذريق على أثر. وتذهب المصادر العربية إلى أنه أراد أن يعبر وادي البرباط على عجل، فغرق فيه، ولم يعثر المسلمون إلاّ على خفّه (٤). وتقول بعض الروايات النصرانية، إنه بقي في ميدان القتال حتى قُتل مدافعاً عن عرشه وأُمّته، وتقول بعضها: إنه فرّ عقب الهزيمة على ظهر جواده، ولكنه غرق في مياه النهر. وتميل الروايات الإسلامية إلى تأييد غرقه، وتقول: إن ملك القوط مات غريقاً، وإنهم عثروا على جواده وسرجه الذهبي، ولم يعثروا على إنسان بجثته. وتزعم بعض الروايات النصرانية، أن لذريق استطاع أن يلوذ بالفرار، ولكنه قُتل بعد ذلك، أو انه فرّ إلى بعض الأديار في البرتغال


(١) الفتح والاستقرار العربي الإسلامي في شمال إفريقيا والأندلس (١٦٩).
(٢) ابن الأثير (٤/ ٥٦٣) ونفح الطيب (١/ ١٢١) ودوزي (١/ ٢٧٢).
(٣) دولة الإسلام في الأندلس (٤٤).
(٤) لا يقطع ابن عذارى في البيان المغرب بموت لذريق، ويكتفى بقوله: "ولم يعرف للذريق موضع ولا وجدت له جثة، وإنما وجد له خفّ مفضّض، فقالوا: إنّه غرق، وقالوا: إنّه قُتل، والله أعلم"، انظر البيان المغرب (٢/ ١٠) وفجر الأندلس (٧٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>