للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بتصاعد أعداد الشهداء الذين تساقطوا في ميدان القتال، فقد استشهد واحد من كل أربعة، ولابد أن يكون الجرحى أضعاف الشهداء فانتصروا على القوط بالشهداء المقبلِين، وانهزم القوط بالقتلى المدبِرين، وهذا هو الفرق بين الجيش الذي يتحلى بالمعنويات العالية المرتكزة على العقيدة الراسخة، والجيش الذي لا يتحلى بالمعنويات العالية.

وكما فتحت معركة القادسية الحاسمة أبواب العراق للمسلمين الفاتحين، وفتحت معركة اليرموك الحاسمة أبواب بلاد الشام لهم، وفتحت معركة نَهاوَند أبواب بلاد فارس، وفتحت معركة بابليون الحاسمة أبواب مصر للفاتحين، فقد فتحت معركة وادي لَكُّهْ الحاسمة أبواب الأندلس للمسلمين الفاتحين، فكانت معارك الفتح التي تلتها معارك ثانوية، لأنها معارك: استثمار الفوز، كما يطلق على أمثال تلك المعارك الثانوية التي تجرى بعد المعركة الحاسمة، معارك: استثمار الفوز، في المصطلحات العسكرية الحديثة، لأن الفاتحين يقاتلون فيها جيوشاً محليّة، تتّسم بصغر حجمها، وقلّة تدريبها، وجمع كثير من جنودها على عجل قسراً وبدون استعداد كافٍ ولا تدريب مناسب، وبضعف قيادتها المحلية، وبانهيار معنويات رجالها.

وليس معنى ذلك، أن المقاومة في معارك استثمار الفوز، مقاومة واهنة باستمرار، بل قد تشتد المقاومة أحياناً، كما سنلمس ذلك في معارك فتح الأندلس، التي تلت معركة الفتح الحاسمة، ولكن النصر يكون مضموناً، مهما اشتدت المقاومة وتأخر الفتح أياماً معدودات، ولن يكون ذلك شيئاً مذكوراً إلى جانب النصر المحقق المضمون.

وقد فتح طارق شطر الأندلس، وفتح موسى بن نُصير شطر الأندلس، ولكن ينبغي أن يعزى فضل الفتح كله لطارق، لأنه المنتصر في المعركة الحاسمة لفتح الأندلس، وما فتحه طارق، وما فتحه موسى، بعد تلك المعركة الحاسمة، كان من نتائج معارك استثمار الفوز، التي تثمر باستمرار النصر المحقق المضمون.

<<  <  ج: ص:  >  >>