للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

زحف معه في جموعه (١).

هذان السببان مقبولان غاية القبول، من الناحية العسكرية العلمية البحت، فقد شعر موسى أن المسلمين قد استرسلوا بالفتح، أكثر مما ينبغي، بالنسبة للقوات المتيسرة لديهم، وأن خطوط مواصلاتهم في شبه الجزيرة الواسعة الأرجاء في خطر داهم، فقد بَقيت مدن الشرق والغرب الأندلسية لم تفتح بعد، وكان لابد من فتحها، وإلاّ تعرض المسلمون الفاتحون لخطر عزل قواتهم عن بعضها، والقضاء عليها وهي متفرقة ضعيفة في كل مكان تحل فيه، وقطع خطوط مواصلاتها الواهنة لامتدادها بعيداً عن قواعدها، ولأن أجنحتها مكشوفة لوجود مدن معادية غير مفتوحة قريبة منها وتستطيع التأثير فيها بسهولة وسرعة، ولأن قوات المسلمين كانت قليلة جداً، بالنسبة إلى طول خطوط مواصلاتها وإلى سعة البلاد وكثافة سكانها. وفعلاً حدث ما توقعه طارق وموسى، فقد أصبحت قسم من قوات المسلمين منعزلة أو شبه منعزلة، بعيدة عن إمكان دعمها بقوات إسلامية كافية عند الحاجة، وأصبح موقف المسلمين بصورة عامة في الأندلس خطيراً للغاية، مما جعل طارقاً يستغيث بموسى، فلا يرى موسى حلاًّ مُرضيًا إلاّ أن يعبر إلى الأندلس بنفسه مع قوات إسلامية كافية، لمعالجة الأمور هناك، فحشد لحملته هذه كل قواته المتيسرة: عشرة آلاف من العرب، وثمانية آلاف من البربر، في سفن صنعها خصيصاً لذلك، يحفِّزه شغف بالفتح رغماً من شيخوخته، ونزل بولاية الجزيرة، حيث استقبله الكونت يُليان، وذلك في شهر رمضان من سنة ثلاث وتسعين الهجرية (٢) حزيران - تموز ٧١٢ م).


(١) الإمامة والسياسة (٢/ ٧٤ - ٧٥)، وفي البلاذري (٢٣٢): إنّ موسى كتب إلى طارق كتاباً غليظاً، لتغريره بالمسلمين، وافتتانه عليه بالرأي في غزوه، وأمر ألا يتجاوز قرطبة.
(٢) أخبار مجموعة (١٥) وفتح الأندلس (١٠) وئفح الطيب برواية ابن حيّان (١/ ٢٦٩) والرسالة الشريفية (١٩٢). ويذكر ابن حبيب (٢٢٣) وكل من الرازي وعريب ابن =

<<  <  ج: ص:  >  >>