للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأكاد أتبين بوضوح، أن موسى كان يعرف حرص الخليفة الوليد بن عبد الملك على أرواح المسلمين حرصاً لا مزيد عليه. وأنه كان يمانع من ركوب البحر ومن فتح الأندلس حرصاً على أرواح المسلمين، وأنه وافق على ركوب البحر وفتح الأندلس أخيراً بعد إلحاح موسى بن نصير عليه وتزيين أمر الفتح له وتهوين أمر ركوب البحر عليه، على أن تبقى مسئولية العملية كلها على عاتق موسى وحده دون سواه، إذا لحق بالمسلمين ضرر، وغُرِّر بهم، فقد كتب موسى إلى الوليد بن عبد الملك يستأذنه في فتح الأندلس، فأجابه الوليد: "أنْ خضها بالسرايا، حتى ترى وتختبر بشأنها، ولا تُغرِّر بالمسلمين في بحر شديد الأهوال"، فلما راجعه موسى، أنه ليس ببحر زخّار، إنما هو خليج منه يبين للناظر ما خلفه، أجابه الوليد: "وإن كان، فلا بد من اختباره بالسرايا قبل اقتحامه" (١)، وهكذا بقي موسى مع موافقة الوليد، المسئول الأول عن عملية العبور والفتح، ولن يتساهل معه الوليد إذا لحق بالمسلمين خسائر بالأرواح دون مسوِّغ منطقي مقبول.

لقد كان نزول موسى إلى الأندلس لسبب حربي واضح، وهو تدعيم الفتح وترصينهُ، وحتى يحول دون وقوع كارثة أكيدة بالمسلمين، من جرّاء تغلغل طارق في الأندلس تغلغلاً لا يتناسب مع ما لديه من رجال.

وقد يرد على البال - وبخاصة بالنسبة للمدنيين - أن أعداد المسلمين تكاثروا في الأندلس بعد انتصاراتهم المتوالية، فقد زحف البربر بأعداد ضخمة إلى برّ الأندلس، واستوطنوا سهولها التي نزح عنها سكانها الأصليون، ولكن تعداد المسلمين الإجمالي في الأندلس، ليس هو المهم، بل المهم هو تعداد المقاتلين منهم، المدربين على القتال، والمجرِّبين في


= سعد أن موسى أبحر بعشرة آلاف رجل فقط، انظر ابن الشباط (١١٦ - ١١٧) والبيان المغرب (١٢/ ١٣) ونفح الطيب (١/ ٢٧٧).
(١) نفح الطيب (١/ ٢٥٣) والبيان المغرب (٢/ ٦) ووفيات الأعيان (٥/ ٣٢٠)، وانظر التاريخ الأندلسي (٤٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>