للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الميدان، فقد اختار موسى قوات طارق قبل إبحارها معه إلى الأندلس، واختار له جنود المدد وقيادتهم حين طلب طارق المدد، أما الذين جاءوا للارتزاق والسكنى من غير المدربين والمجرِّبين، فلا قيمة قتالية لهم في ميادين القتال.

أما ما تردد في مصادر التاريخ الإسلامي، من أن موسى ما كاد يسمع بأخبار الفتح، حتى أكل الحسد قلبه، وقرر أن ينال هو الآخر نصيبه من شرف الفتح (١)، وأنه أساء معاملة طارق وضربه بالسوط (٢)، فمغالى به، إذ لا يُعقل أن يصدر ذلك عن تابعي جليل وقائد فاتح عرف بالعقل والإتزان والمروءة كموسى بن نصير.

ثم إن طارقاً كان مولى لموسى، يعمل بأوامره، وينفذها نصاً وروحاً، وكان يكتب إليه أخبار الفتح مفصلاً، فلو أن موسى حسد طارقاً أو أساء الظن به، لاستطاع إزاحته عن طريقه، وذلك بعزله أو استدعائه، إلى القيروان، فليس من المعقول أن يستطيع طارق مخالفة أوامر مولاه موسى في شيءٍ.

ولعل أوضح دليل، على مبلغ التزام طارق بطاعة موسى، وأنّه كان مثالاً للطاعة والنظام، أنه بعث بأولاد غيطشة إلى مولاه موسى، عندما قدموا إليه في طليطلة وقالوا له: "أنت أمير نفسك، أم على رأسك أمير؟ "، فقال طارق: "بل على رأس أمير، وفوق ذلك الأمير أمير عظيم" (٣)، وهذا يدل على منتهى الضبط وتقدير المسئولية والالتزام بسلسلة المراجع.

وأوضح دليل، على أن قدوم موسى إلى الأندلس، كان لمعاونة طارق لا لتأديبه، وأنه قدم الأندلس لأغراض عسكرية بحت، هو أن موسى لم يذهب للقاء طارق بعد نزوله أرض الأندلس، وإنما انصرف إلى فتح كبار البلاد


(١) ابن الأثير (٤/ ٢١٥) والبداية والنهاية (٩/ ٨٣) والبيان المغرب (٢/ ١٩) وابن خلدون (٤/ ١١٧) ونقح الطيب (١/ ٢٥١).
(٢) فتح مصر والمغرب (٢٨٣).
(٣) نفح الطيب (١/ ٢٤٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>