للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولم يلبث طارق وموسى أن تعاونا تعاوناً وثيقاً، فترك موسى طارقاً على قيادته، وسار كل منهما في اتجاه، متعاونين متساندين، وهذا واضح من قول ابن حيّان: "قالوا: ثم إن موسى اصطلح مع طارق، وأظهر الرضى عنه، وأقرّه على مقدّمته، وأمره بالتقدم أمامه في أصحابه، وسار موسى خلفه في جيوشه" (١).

لقد تحمل جيش طارق من الأعباء ما يزيد على طاقته، لدرجة أجهد الجند وعرّضهم للأخطار، فقد اقتحم هذا الجيش الأندلس، وصادم القوط في مواقع موضعية وموقعة حاسمة، وتوغّل في قلب البلاد، واستولى على حاضرتها قبل أن يستفيق القوط من الصدمة، كل ذلك جرى في وقت قصير. ثم إن المقاومة القوطية بدأت تتكون وتترعرع وتشتد بالتدريج في نواحي البلاد، وبخاصة في جهة غربي الأندلس، حيث تصلح المناطق الجبلية المهجورة في إقليم استرامادور لأن تكون أوكاراً لرجال المقاومة القوطية، وهذا يفسِّر لنا خط سير الحملة التي قادها موسى بن نصير (٢)، فحمي الجناح الأيسر المكشوف لقوات طارق، وحرم المقاومة القوطية من فوصة التعرّض بخطوط مواصلات المسلمين، التي تربط قواتهم الأمامية بقواعدها المتقدمة في الأندلس. وهذا ما يفسر لنا أهم سبب من أسباب توقف طارق في طُليطلة وعدم تغلغله في الفتح، فقد حرص موسى - وهو على حق - على توقف


= ولا أرى أنّ مغيثاً يفتري على الخليفة الكذب، وهو الصادق المؤتمن، وليس بالإمكان إتّهام موسى بمثل هذه التهمة، لأنّ كذبها سيظهر حتماً، لعدم إمكان إخفاء مثل تلك التهمة الكبرى، ولا يمكن أن نصدق أنّ مغيثاً ينقل للخليفة غير الواقع والصدق، ويبدو أن مغيثاً لا علم له بهذه القصة، وقد وضعت على لسانه من بعده، لذلك لم يصدقها أحد، ولم ينقلها أهل الأندلس عن ابن عبد الحكم، لأنهم لم يصدّقوا الحادث والحديث والراوي، ومن حق كلّ إنسان ألاّ يصدّق ما يبدو عليه التزوير والانحراف والإفتراء.
(١) نفح الطيب برواية ابن حيّان (١/ ١٧٢)
(٢) تاريخ المسلمين وآثارهم في الأندلس (٩٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>