للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

.........................................................................


= بالله، لئن ضربته لأضربنّك، ولئن قتلته لأقتلنّ ولدك به، ووجه الكتاب مع مغيث الرومي ... فقدم به على موسى الأندلس، فلما قرأه أطلق طارقاً وخلّى سبيله، ووفى طارق لمغيث بالمائة عبد التي كان جعل له" ... انتهى!!
وأقول: إن هذا الذي ذكره ابن عبد الحكم في كتابه: فتح مصر والمغرب، يناقض ما ذكره هو أيضاً في ص (٢٨٣) من نفس الكتاب، فقد ذكر في ص (٢٨٠): "فأجاز موسى من الخضراء، ثم مضى إلى قرطبة، فتلقاه طارق، فترضّاه وقال له: إنّما أنا مولاك، وهذا الفتح هو لك"، ثمّ ذكر في نفس الصفحة أيضاً: "ويقال: إنّ موسى هو الذي وجّه طارقاً بعد مدخله الأندلس إلى طليطلة، وهي النصف ما بين قرطبة وأرْبُونَة، وأربونة أقصى ثغر الأندلس" وهذا يدل على أنّ موسى كان منسجماً مع طارق، ويدل على أنه لم يحبسه ولم يهمّ بقتله، وإنّ كل ما جاء حول ذلك لا نصيب له من الصحة.
وابن عبد الحكم على جلالة قدره مؤرخاً وعالماً، يذكر الروايات المختلفة، أسوة بغيره من المؤرخين القدامى، كأنّه يحشد المعلومات المتيسرة، دون أن يترك شاردة ولا واردة منها، تمهيداً لمن يأتي بعده من المؤرخين، ليناقش تلك الروايات، ويرجح منها ما كان راجحاً، ويبدي رأيه بالذي لا يراه صواباً، فجزاه الله عن المؤرخين خيراً.
وفي كتاب فجر الأندلس (٨٦): "ولا نرى إلا تفسيراً واحداً لانفراد ابن عبد الحكم من بين المراجع الموثوق فيها بذه الرواية، هو أنها كانت معروفة في المشرق، مجهولة عند أهل الأندلس. وأما وجودها في المشرق فمرجعه على أغلب الظن إلى مغيث الرومي، فقد كان محنقاً على موسى، مولعاً بالكيد له، لأنه كان يرى أنه مولى الوليد، وأنه أولى بولاية الأندلس - كما سنرى - فانتهز فرصة ذهابه إلى المشرق لإبلاغ الوليد أخبار انتصارات المسلمين، وأخذ يبالغ في مساءات موسى ويختلق عليه، حتى لقد أنكر عليه كلّ فضل في الفتح - كما يرى في رواية ابن عبد الحكم الآنفة الذكر - وانتشرت قالاته بين أهل قصر الخليفة وبين أهل المشرق، وسجلها المؤرخون المشرقيون الذين يمثلهم ابن عبد الحكم في هذه الناحية". وأما الأندلسيون، وهم أحرى أن يعرفوا مثل هذا الخبر على صحّته، لأن أخبارهم أُخذت عن ناس حضروا بأنفسهم هذه المواقف، فلا يعرفون إلاّ أنّ موسى: "وضع السّوط على رأس طارق وونّبه"، كما يقول صاحب الأخبار المجموعة، وقد كان مستطيعاً أن يقول: إنّ موسى ضرب طارقاً بالسّوط، بدلاً من قوله: وضع السّوط على رأسه، فقط" .... انتهى.

<<  <  ج: ص:  >  >>