للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ظنّاً منهم أنّ المسلمين إذا وصلوا إليها، فإن طبيعتها الجبلية الوعرة ستساعد المقاومة القوطيّة على الدفاع الرصين، حيث يمكن التسرب منها إلى نواحي قَشْتَالة (١) واسترامادور إذا أخفقوا في الدفاع، وفعلاً لاقى موسى عقبات في طريقه من ماردة إلى طُليطلة، فخفّ طارق للقاء موسى بالظاهر، ونجدته بالواقع، حتى يخفف الضغط على قوات موسى من جهة، وليجبر المقاومة القوطية على مجابهة قوات موسى وقوات طارق في آن واحد، ويضطرّها على الانسحاب.

والذي أخّر طارق عن الخروج للقاء موسى، منذ عبوره إلى الأندلس، حتى هذه الأيام، يمكن تفسيره بأن موسى، رأى أن مقام طارق بطليطلة يؤمِّنه من عمل يقوم به قوطها، فلما فرغ من أمر ماردة، وأراد السير نحو طليطلة، أحسّ أن الطريق طويل محفوف بالمخاطر، لأن فلول القوط كانت تتجالب (٢) وتتجمّع في تلك النواحي. فلما رأت موسى يأخذ في الطريق وجدت الفرصة سانحة لاعتراضه ومنازلته في معركة لها ما بعدها، وكان هذا هو السبب الذي حفّز طارقاً إلى المسير للقاء موسى. ولا يعقل سكوت طارق عن الذهاب إلى مولاه موسى طيلة أشهر الشتاء رغم وجوده على مقربة منه، إلاّ بأنّ موسى لم يطلب إلى طارق المجيء إليه إلاّ في تلك الأيام، حينما أحسّ ببعض ما كان يدبّر حوله في هذه المناطق الجبلية الوعرة.

والوقع أن حشود القوط تربصت بالمسلمين في تلك المنطقة، ولبثوا يتحينون الفرصة للانقضاض على جيوش المسلمين. ولم يكن موسى ليستطيع السير من ماردة إلى طليطلة وهؤلاء في طريقه، فكان لابد له من القضاء عليهم، ولهذا استدعى طارقاً ليلقاه في منتصف الطريق بين ماردة وطليطلة، فسار طارق نحو مائة وخمسين ميلاً، وانتظر مولاه في وادي الأرّوكامبو ( Arrocampo) في مكان يسمى المعرض ( Almaraz) بين التاجة ونهر


(١) قشتالة: إقليم عظيم بالأندلس، انظر التفاصيل في معجم البلدان (٧/ ٩٣).
(٢) البيان المغرب (١٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>