للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

معه، أما كان معه رجل رشيد؟! وأنا رشيدك اليوم! أين تذهب؟ تريد أن تخرج من الدنيا؟! أو تلتمس أكثر مما آتاك الله عزّ وجل، وأعرض مما فتح الله عليك، ودوّخ لك؟! إني سمعت من الناس ما لم تسمع، وقد ملأوا أيديهم وأحبوا الدّعة)، فضحك موسى ثم قال: "أرشدك الله، وكثر في المسلمين أمثالك"، ثم انصرف قافلاً إلى الأندلس، وهو يقول: (أما والله، لو انقادوا إليّ، لقدتهم إلى رومِيّة (روما)، ثم يفتحها الله على يديّ إن شاء الله" (١).

ولكن موسى ومعه طارق، استطاعا أن يعيدا إلى رجالهما نشاطهم وحماستهم للفتح، وبينما كانا يعدّان العدّة لفتح جلِّيْقِيَّة (٢) إذ أتاه مُغيث الرّومي (٣) رسول الخليفة الوليد بن عبد الملك بن مروَان، يأمره بالخروج من الأندلس، والكفّ عن التوسع في البلاد، وأن يشخص إلى دمشق، فساءه ذلك، وقطع به عن إرادته، إذ لم يكن في الأندلس بلد لم يدخله المسلمون غير جِلِّيْقِيَّة، فكان شديد الحرص على اقتحامها (٤). وكان موسى قد أوفد علي بن رَباح (٥)، وكان رجلاً صالحاً في نحو الثمانين من عمره، وهو من


(١) الإمامة والسياسة (٨٠ - ٨١)، وانظر ما جاء حول ذلك في قادة فتح المغرب العربي (١/ ٢٦٦ - ٢٦٧).
(٢) جلِّيقيّة: ناحية قرب ساحل المحيط، من ناحية شمالي الأندلس، في أقصاه من جهة الغرب، انظر التفاصيل في معجم البلدان (٣/ ١٣١) وتقويم البلدان (١٨٤ - ١٨٥) وجغرافية الأندلس وأوروبا (٧١ - ٧٣).
(٣) مغيث الرومي: انظر ترجمته في كتابنا: قادة فتح الأندلس والبحار.
(٤) نفح الطيب (١/ ٢٥٨).
(٥) علي بن رباح: هو أبو عبد الله علي بن رَباح بن نُصَير اللّخمي، كان فاضلاً جليلاً من جملة التابعين، يروي عن جماعة من الصحابة رضوان الله عليهم، منهم عمرو بن العاص وولده عبد الله، وعُقبة بن عامر وأبو هريرة وعائشة أم المؤمنين زوج النبيّ صلى الله عليه وسلم، وروى عنه جماعة يكثر تعدادهم، وكان إذا انفرد يستذكر ما حفظ من أحاديث نبويّة خوفاً من نسيانها. ولد سنة خمس عشرة الهجرية، وكان أعور، ذهبت عينه يوم الصواري في البحر مع عبد الله بن سعد سنة أربع وثمانين الهجريّة. وكانت له مع عبد العزيز بن مروان منزلة، وهو الذي زفّ أمّ البنين بنت عبد العزيز بن مروان إلى الوليد =

<<  <  ج: ص:  >  >>