والحديث عن إقناع مغيث بالغنيمة والقصر، لإبقاء موسى على رأس جيشه، ليستكمل تحقيق أهدافه في الفتح، ليس من السهل تصديقه ولا قبوله، فهو رشوة لتأجيل تنفيذ أمر الخليفة الواضح الصّريح، وقد كان مغيث قوياً أميناً لا يتقبل الرشوة ولا يرتضى لنفسه مخالفة أوامر الخليفة الصريحة الواضحة، والذي يبدو أن الخليفة أمر مغيثاً أن يُشخص موسى معه إلى دمشق، دون أن يأمره بإشخاصه فوراً، فكان لمغيث أن يتصرف في أمر موسى بحرية مطلقة، فرأى أن الموقف العسكري يتطلب بقاء موسى ردحاً من الزمن في الأندلس، لاستكمال فتوحاته، واقتنع برأي موسى بضرورة بقائه لغزو منطقة جلِّيْقِيَّة، حتى لا يتعرض إقليم طليطلة لتعرض قوطي، كما لم يجد مغيث محذوراً من بقاء موسى في قيادته، فلا اعتراض له على أمر الخليفة، كما لا يستطيع أن يعترض، فكان لبقاء موسى فائدة للفتح دون ضرر على الخلافة، لذلك اقتنع مغيث بالسير مع موسى ومرافقته في فتحه، فكانت الغنيمة والقصر جزاء جهاده لا جزاء تراخيه في تنفيذ أمر الخليفة أو جزاء التخلي عن التنفيذ.
والغريب أن المستشرقين ركّزوا على هذه الفرية، وبالغوا في شرحها وتوضيحها وتسليط الأضواء عليها، فصوّروا في هذا الفصل مغيثاً متواطئاً مع موسى على الخليفة، ثم صوّروه في الفصل الثاني عدواً لدوداً لموسى، يُشنّع على موسى لدى الخليفة لأنه كان يرى نفسه أحق من موسى بتولي الأندلس، وليس ذلك من خلق التابعين وتابعي التابعين، ولا كان الدسّ والافتراء والكذب والحسد والرشوة من أخلاقهم، فإذا لم يكن مقنعاً، للمؤرخ الذي تتبع خلق أولئك الرجال، فالتناقض المكشوف في موقف مغيث - بحسب ادعاءات المستشرقين - لابد أن يكون مقنعاً، إذ كيف يمكن أن نصدق أن مغيثاً يفتري ما يفتري على موسى بحضور الخليفة، ثم يسكت عنه موسى في