للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأقرّ بها حامية، وجعلها حصناً لما فتحه من البلاد في هذه النواحي البعيدة، ثم بعث سرية من فرسانه أدركت البحر عند صخرة بلاي ( Peka de Pelayo) على البحر الأخضر (١)، فطاعت الأعاجم، ولاذوا بالسلم وبذل الجزية، وسكنت العرب المفاوز، وكان العرب والبربر كلما مرّ قوم منهم بموضع استحسنوه، حطّو به ونزلوه قاطنين (٢).

وهكذا وصلت جيوش موسى حتى البحر المحيط، فاطمأن إلى أنه فتح شبه الجزيرة كلها، لذلك شعر أنه لم يّعُد هناك أي معنى للاسترسال في الفتح، وكان موسى يخلِّف في كل مدينة وقلعة يفتحها حامية من المسلمين، فتفرّق جنده، وطال السّير بمن بقي منهم معه، ونال منهم الجهد، فمالت نفوسهم إلى العودة، لذلك اكتفى موسى بوصوله إلى خيخون، وأزمع العودة، وهو يعلم أن أعداداً كبيرة من القوط قد تراجعوا أمامه، واجتمعوا في نواحي أشتوريش وجِلِّيقيّة، وأنهم يكوِّنون الخميرة الأولى لاستعادة الأندلس من المسلمين في المستقبل - كما حدث ذلك فعلاً - ولو لم ينشغل العرب عن البقية الباقية من القوط بعد ذلك بحروب ومنازعات قبلية فيما بينهم، لاستطاعوا القضاء عليهم بسهولة ويسر، ولكن العرب شُغلوا بأمور أنفسهم، فاستطاعت هذه الحفنة القوطية أن تطمئن في هذه النواحي القاصية القاحلة، وأن تنمو بالتدريج وتقوى وتشتد، لتنتهز في المسلمين كل فرصة تسنح، ولتستعيد ما تستطيع استعادته مرحلياً من الأندلس كلما استطاعت إلى ذلك سبيلاً.

ومن الواضح جداً، أن موسى ترك جبهة القتال مُكرهاً لا بمحض إرادته، فقد كان الخليفة يريد عودته إلى دمشق، وكان مغيث يتربص به ليتولى العودة معه، فلما انتهى موسى في فتوحه إلى هذا الحد القصي في نظر الخليفة


(١) هو المحيط الأطلسي، وكان يسمى أيضاً: الأقيانوس، وبحر الظلمات.
(٢) نفح الطيب (١/ ٢٥٨)، وانظر فجر الأندلس (١٠٤ - ١٠٥) وتاريخ المسلمين وآثارهم في الأندلس (١٠٢ - ١٠٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>