للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومغيث، كان لابد له أن يعود، لا إلى طليطلة أو قرطبة فقط، بل إلى دمشق رأساً، فقد كان مغيث الرومي رسول الخليفة يتعجله، وكان الوليد بن عبد الملك معجلاً عليه لا يريد أن يتمهل، إذ أن رسولاً آخر من الوليد، يكنى: أبا نَصْر، بعثه إلى موسى، عندما استبطأه في القفول، فأتاه وهو في مدينة لُكْ بناحية جلِّيقية (١).


(١) نفح الطيب (١/ ٢٧٦)، وفي فجر الأندلس (١٠٦) ورد: "حتى لتذهب الروايات، إلى أنّ الوليد، بعث إليه رسولاً آخر، اسمه: أبو نصر، لقيه في لك، فأخذ بعنان فرسه، وأمره بالعودة؛ وذلك أمر مستبعد، لأن مغيثاً وصل موسى في سرقسطة في أوائل الربيع، ولما تنقضي على وصوله ثلاثة أشهر، ولا يتفق أن يكون الخليفة قد استطال هذه المدة القصيرة، فأرسل يتعجّل، وربما كان أبو نصر هذا كنية لمغيث كما يظن جايانجوس". وأقول: قد وردت ترجمة مغيث الرومي في نفح الطيب (٤/ ١١ - ١٣) وفي غيره من المصادر، وهو لا يكنّى: أبا نصر في تلك المصادر كلها. ولماذا نستبعد قدوم الرسول الآخر الذي أرسله الوليد إلى موسى، وقد انقضت على وصول الرسول الأول ثلاثة أشهر، وهي مدّة طويلة، وبخاصة بعدما استقرّ في ذهن الوليد أنه يريد أن يشق عصا الطاعة، انظر الإمامة والسياسة (٢/ ٧٥ - ٧٦)، وأنّ موسى يطمع في فتح غالة والوصول إلى رومة، انظر الإمامة والسياسة (٢/ ٨١)، بل الوصول إلى أرض الشام عن طريق إفرنجة (فرنسا)، انظر نفح الطيب (١/ ٢٥٩)، في الوقت الذي سئم المسلمون فيه الفتح، وأظهروا رغبتهم في العودة إلى قرطبة؟؟
لقد كان الخليفة الوليد بن عبد الملك حريصاً غاية الحرص على سلامة المسلمين، فعارض منذ البداية في إقحامهم في بحر شديد الأهوال، فلما علم بما شرع به موسى من فتح غالة، اشتدّ قلقه وأرسل أبا نصر رسولاً ثانياً إلى موسى يستعجله القفول إلى دمشق، وإذا كان مغيث قد وافق على إكمال موسى لفتوحه، فلأنّ مغيثاً قائد يقدِّر أهمية الموقف العسكري الراهن، ويقدِّر أهمية إكمال الفتح لحاضر المسلمين ومستقبلهم في الأندلس، أما أبو نصر - كما يبدو - فلم يكن قائداً، وهو منفِّذ قويّ أمين للأوامر، شديد الضبط والربط، لا يقبل بعذر ولا ينصت إليه، فمن الواضح أنّ أبا نصر شخصية ثانية غير مغيث ومختلفة عنه كل الاختلاف. وفي نفح الطيب (١/ ٥٨) نص صريح وهو: "وقفل معهم - أي مع موسى وطارق - الرسولان: مغيث وأبو نصر"، انظر تاريخ المسلمين وآثارهم في الأندلس (١٠٣ - ١٠٤) وقادة فتح المغرب العربي (١/ ٢٧٠ - ٢٧١).

<<  <  ج: ص:  >  >>