للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الولاة والقادة عليهم، عند سنوح الفرصة المناسبة لهم.

من تلك الأساليب الخاصة التي يسيطر بها الخلفاء على ولاتهم وقادتهم، وبخاصة في الأصقاع النائية عن عاصمة الخلافة، هي إرسال من يعتمدون عليهم من الرجال، لينقلوا إليهم بدقة وسرعة وأمانة، كل ما يرونه ضرورياً، لجعل الخلفاء مطمئنين من سير الأمور، في مختلف البلاد والأمصار، كما يريدون.

وكان مُغيث الرومي أحد من كان يعتمد عليه الوليد بن عبد الملك، لأن عبد الملك بن مروان كان قد أدّبه مع ولده الوليد، وقد نشأ بدمشق، ودخل الأندلس مع طارق فاتحها. وقد وقع بينه وبين طارق، ثم وقع بينه وبين موسى، فرحل معهما إلى دمشق، ثم عاد ظافراً عليهما إلى الأندلس. وكان مغيث مشهوراً بحسن الرأي والكّيْد (١). وكان يطمع بولاية الأندلس، فلما عزم سليمان على تولية طارق بن زياد الأندلس استشار مغيثاً، فعرفه عن عزمه، وقد بالغ في إيذاء موسى عند سليمان (٢).

ويُروى لمغيث شعر خاطب به موسى وطارقاً، منه قوله:

أعَنْتُكُمُ ولكن ما وفيتُم ... فسوف أعيث في غربٍ وشرق

وعارض يوماً في محفل من الناس موسى بن نصير، فقال له موسى: "كُفَّ لسانك"، فقال مغيث: "لساني كالمِفْصَل (٣)، ما أكفه إلاّ حيثُ يقتل" (٤).

والظاهر أن مغيثاً لم يدّخر وسعاً في تشويه سمعة موسى عند الوليد، وعند سليمان من بعده، طموحاً في تولي الأندلس من بعد موسى، ولكن كان مغيث صادقاً في اتهامه، إذ حقّق سليمان جميع ما رُمي به موسى عنده، فأغرمه غرماً


(١) نفح الطيب (٣/ ١٣).
(٢) نفح الطيب (٣/ ١٣).
(٣) المفصل: بكسر الميم، الّلسان، ويروى بفتح الميم والصاد: المَفْصَل، أنظر لسان العرب (٤/ ٣٨).
(٤) نفح الطيب (٤/ ١٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>