للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عظيماً (١)، ومن هذا يتضح أن مغيثاً رمى موسى بعدم الأمانة في التصرّف بالغنائم.

فهل كان اتهام موسى بنزاهته حقاً؟ الواقع أن مغيثاً ليس وحده من اتهم موسى بالغلول أو بعدم تطبيق تعاليم الإسلام في الغنائم نصّاً وروحاً، فقد ذكروا أن سليمان بينما كان يقلّب هدايا موسى التي جاء بها من الأندلس وإفريقية إلى دمشق، إذ انبعث رجل من أصحاب موسى يقال له: عيسى بن عبد الله الطويل من أهل المدينة المنورة، وكان على الغنائم، فقال: "يا أمير المؤمنين! إن الله أغناك بالحلال عن الحرام، وإني صاحب هذه المقاسم، وإن موسى لم يخرج خُمساً من جميع ما أتاك"، فغضب سليمان، وقام عن سريره، فدخل منزله، ثم خرج فقال للناس: "نعم، قد أغناني الله بالحلال عن الحرام"، وأمر بإدخال ذلك بيت المال (٢).

ولكن ذلك لا يكفي لإثبات التهمة الموجّهة إلى نزاهة موسى، وهو الذي عُرف بالتديّن، وكان ورعاً تقياً لله (٣). ولو ثبت عليه لما توسّط له عمر بن عبد العزيز عند سليمان، فعفا عن موسى (٤)، وعمر بن عبد العزيز معروف بالتزامه بتعاليم الشرع الحنيف.

ولا شك في نزاهة موسى، فقد أغناه الله هو الآخر بالحلال عن الحرام، فلماذا يتردى إلى مهاوي الخيانة في أمانته، وقد فتحت عليه أبواب الخير؟ لقد كان كريماً سخيّاً، فأعطى من الغنائم مَن أعطى، ولم يستأثر بما أخذ من الغنائم لنفسه ولمصلحته الشخصية حسب.

فما هي أسباب استدعاء موسى من الأندلس إلى دمشق وعزله؟.


(١) نفح الطيب (١/ ٢٨٥).
(٢) فتوح مصر والمغرب (٢٨٤).
(٣) وفيات الأعيان (٤/ ٤٠٢) ونفح الطيب (١/ ٢٢٤)، وانظر رياض النفوس (١/ ٧٨) ووفيات الأعيان (٤/ ٤٠٣).
(٤) الإمامة والسياسة (٢/ ٢/ ٩٢ - ٩٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>