للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يبدو أن الوليد، ومن بعده سليمان، اعتقدا أن موسى غرّر بالمسلمين، وأنه عرّضهم للمهالك، بتغلغله عميقاً في الأندلس، كما أنهما خشيا من طموح موسى في التغلغل إلى بلاد أبعد من الأندلس، فيقود المسلمين إلى روميّة (١)، وأن موسى: "أجمع أن يأتي المشرق من ناحية القُسطنطينيّة، ويتجاوز إلى الشّام دروبه ودروب الأندلس، ويخوض إليه ما بينهما من أمم الأعاجم النصرانية، مجاهداً فيهم، مستلحماً لهم، إلى أن يلحق بدار الخلافة"، فنُمِي هذا الخبر إلى الوليد، فاشتدّ قلقه بمكان المسلمين من دار الحرب، ورأى أن ما همّ به موسى غَرَرٌ بالمسلمين، فبعث إليه بالتوبيخ والانصراف، وأسرّ إلى سفيره أن يرجع بالمسلمين إن لم يرجع، وكتب له بذلك عهده، ففتّ ذلك في عزم موسى، وقفل عن الأندلس بعد أن أنزل الرابطة والحامية بثغورها، وأنزل ابنه عبد العزيز لسدِّها وجهاد عدوِّها (٢). والظاهر أن الخلفاء لم يكونوا مطمئنين على أمن المسلمين في الأندلس حتى بعد الوليد وسليمان، فقد فكّر عمر بن عبد العزيز في إقفال المسلمين من الأندلس وإخلائها، إذ خشي تغلب العدو عليهم (٣)، فإذا كان هذا ما يعتقده عمر بن عبد العزيز الذي تولى الخلافة سنة تسع وتسعين الهجرية (٤)، فلماذا نلوم الوليد وقد استدعى موسى سنة خمس وتسعين الهجرية (٥)، والفتح كان في أوّله، والأندلس جد بعيد عن دار الخلافة؟.

وإذا كان عمر بن عبد العزيز، قد خشي على المسلمين في الأندلس، بعد استقرار الفتح فيها، فكيف لا يخشى الوليد ومن بعده سليمان، على المسلمين في الأندلس، من طموح موسى في التغلغل بهم بعيداً بعيداً إلى


(١) الإمامة والسياسة (٢/ ٨١).
(٢) نفح الطيب (١/ ٢١٨).
(٣) تاريخ افتتاح الأندلس (٣٩) وأخبار مجموعة (٢٣).
(٤) الطبري (٥/ ٣٠٤).
(٥) نفح الطيب (١/ ٣١٨) وفتح مصر والمغرب (٢٨٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>