للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

روميّة وإلى القسطنطينية؟.

لقد كان طموح موسى في التوسع بالفتح، سبباً واضحاً لاستدعائه إلى دمشق، وهذا السبب - فيما أرى - من الأسباب الجوهرية لاستدعائه.

وهناك سبب آخر، لا يقل خطورة عن السبب السابق، هو اتهام موسى بالخلع، فقد ذكروا أن الوليد بن عبد الملك لما بلغه سير موسى إلى الأندلس، ووُصفت له، ظنّ أنه يريد أن يخلع، ويقيم فيها، ويمتنع بها، وقيل له ذلك. وأبطأت كتب موسى عليه، لاشتغاله بما هناك من العدو، وتوطئته للفتح (١)، مما زاد في شكوك الوليد بنيات موسى بمحاولته الاستقلال أو التحرر من سلطان الخلافة. ولعل الذين أدخلوا هذه الشكوك في روع الوليد، لم ينسوا أن يذكروا له سيطرته التامة هو وأولاده ومواليه على إفريقية والأندلس، مما ضاعف تلك الشكوك، وجعلها بعيدة عن الحدس، قريبة من التصديق.

ولعل اتِّهام موسى بالخلع، هو الذي يفسر لنا، لماذا لم تختلف نظرة سليمان عن سلفه الوليد إلى موسى مع ما بين الخلف والسلف من تناقض كثير - كما هو معروف - ذلك لأن أصحاب السلطان، إذا اختلفوا في كل شيء، فإنهم يتفقون على شيء واحد، هو عدم التغاضي عن كل مَن يريد التحرّر من ربقتهم والاستقلال عنهم، سواء كان إتهامه حقاً بذلك أم كان باطلاً. كما أنهم كانوا ولا يزالون يدخلون في حسابهم أسوأ الاحتمالات، لمقاومة الذين يخرجون عليهم أو الذين يتهمونهم بالخروج عليهم زوراً وبهتاناً، ويكفي أن يأخذوا المتهم أخذاً في حالات الظن وفي حالات اليقين.

سأل سليمان مغيثاً عن طارق بن زياد، وقد أراد أن يوليه الأندلس خلفاً لموسى، فقال: "كيف أمر طارق بالأندلس؟ " فقال مغيث: "لو أمر أهلها بالصلاة إلى أي قبلة شاءها، لتبعوه ولم يروا أنهم كفروا"، فعملت هذه المكيدة في نفس سليمان، وبدا له في ولايته (٢)، وهذا يدل بوضوح، على


(١) الإمامة والسياسة (١/ ٧٥)،
(٢) نفح الطيب (٤/ ١٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>