للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السياسة التي كان يتبعها سليمان في تولية الولاة، إذ يستبعد عن الولاية كل مَن يخشى خطره من بعيد أو قريب.

وكان يزيد بن المُهَلّب بن أبي صُفْرَة، من أقرب المقربين إلى سليمان بن عبد الملك، وكان لموسى يد على المهلب بن أبي صفرة (١)، وقد سأل يزيد يوماً موسى: "أريد أن أسألك، فاصْغ إليّ"، فقال موسى: "سل عمّا بدا لك"، فقال: "لم أزل أسمع عنك، أنّك من أعقل الناس، وأعرفهم بمكايد الحروب، ومُداراة الدنيا، فقل لي: كيف حصلت في يدي هذا الرجل (يعني: سليمان بن عبد الملك) بعد ما ملكت الأندلس، وألقيت بينك وبين هؤلاء البحر الزَخَّار (٢)، وتيقنت بُعدَ المرام واستصعابه واستخلصت بلاداً أنت اخترعتها، واستكملت رجالاً لا يعرفون غير خيرك وشرِّك، وحصل في يدك من الذّخائر والأموال والمعاقل والرجال ما لو أظهرت به الامتناع ما ألقيت عنقك في يد مَن لا يرحمك. ثم إنك علمت أن سليمان وليّ عهد، وأنه المُوالي بعد أخيه، وقد أشرف على الهلاك لا محالة (٣)، وبعد ذلك خالفته وألقيت بيدك إلى التّهلكة، وأحقدت مالكك ومملوكك "يعني سليمان وطارقاً"، وما رضا هذا الرجل إلاّ بعيد، ولكن لا آلو جهداً (٤) "، فقال موسى: "يا ابن الكرام! ليس هذا وقت تعديد، أما سمعت: إذا جاء الحَيْنُ (٥)، غطّى على العين؟! "، فقال يزيد: "ما قصدتُ بما قلت لك تعديداً وتبكيتاً، وإنّما قصدت تلقيح العقل، وتنبيه الرأي، وأن أرى ما عندك! "، فقال موسى: "أما رأيت الهُدْهُد يرى الماء تحت الأرض عن بُعد، ويقع في


(١) أنظر: الإمامة والسياسة (٢/ ٩٤ - ٩٥)، وانظر سيرة المهلّب في كتابنا: قادة فتح السند والأفغان.
(٢) البحر الزخار: الطّامي الممتلئ الجيّاش بالأمواج.
(٣) أشرف على الهلاك: أراد أنّه قارب الموت لسوء حاله.
(٤) لا آلو جهداً: لا أقصّر فيما لدي من الجهد والوسع أن أبذله في إرضائه عنك.
(٥) الحَيْن: الهلاك.

<<  <  ج: ص:  >  >>