للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الخلافة، وخشيت الخلافة من إقدامهما على الخلع، وهما في بلاد قصيّة عن عاصمة الخلافة، بعيدة عن مراكز قوتها، بين رجالهما الذين يدينون لهما وحدهما الولاء، لأنهم لا يعرفون غيرهما، وهم يعيشون برخاء ونعمة بفضلهما.

ولكن الخلع لم يخطر على بال موسى، كما لم يخطر على بال طارق، فاحترق موسى بنيران تهمة هو بريء منها، واحترق طارق بنيران موسى بدون ذنب يستحق عليه العقاب.

وأياً كانت أسباب حنق الوليد وسليمان على موسى ومولاه طارق، فإن فاتحي الأندلس لم يلقيا الجزاء الحق، بل غمط حقهما وفضلهما، وأبدت الخلافة بهذا الجحود والنكران، أنها لم تقدِّر البطولة في هذا الموطن قدرها (١). ولعلّ عذر الوليد ومن بعده سليمان، أن موسى كان يمثل خطراً شديداً على الخلافة بعد امتداد سلطانه إلى أعماق إفريقية والمغرب، وأوروبا، وسيطرته على تلك الأصقاع النائية سيطرة شخصية وبأولاده ومواليه وأتباعه، وسيطرته في الأندلس كانت بطارق، مما فسح المجال لتقولات خصوم موسى وحاسديه عليه وعلى أعوانه البارزين - وعلى رأسهم طارق -.

ومن الواضح، أن موسى - في حقيقة أمره - كان بعيداً كل البعد عن الاختلاس، ولكنه كان كريماً جداً، ولم يكن تغلغله في تلك الأصقاع النائية التي جعل الخلفاء يظنون أنه غرّر بالمسلمين وعرّضهم للأخطار، إلاّ عن رغبته الأكيدة في الفتح ونشر رايات الإسلام، مع تمكّنه وثقته الكاملة بقابليته وقابليّة رجاله على تحمل أعباء هذا الفتح العظيم وتبعاته، فكان المسلمون في أمنٍ ودعة لا في خطر وشِدّة - كما حسب الخلفاء وتصوّروا -. كما أن موسى لم يفكر أبداً بالخلع والاستقلال عن الخلافة، فقد كان إيمانه العميق بتعاليم الإسلام وتمسكه والتزامه بها، وشدّة ضبطه وابتعاده عن شقّ عصا الطّاعة،


(١) دولة الإسلام في الأندلس (٥٨) وانظر فجر الأندلس (١٠٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>