التهمة أيضاً، إن لم تكن تهمته في التغرير أجسم من تهمهّ موسى بها وأضخم، فقد تغلغل في الأندلس بالعمق، وعرّض جناحيه: الأيمن والأيسر لخطر التعرّض القوطي عليهما، كما عرّض خطوط مواصلاته للخطر أيضاً، مما حدا بموسى إلى العبور للأندلس، لمعالجة الموقف الخطير الذي أصبحت قوات المسلمين تتعرض له في حينه، فعالج موسى الموقف، ورصّن وضع قوات المسلمين، وأبعد عنها الخطر الوشيك الداهم.
ولا يمكن تبرئة طارق من تهمة التغرير بالمسلمين، وسترد مناقشة ذلك في الحديث عن سماته القيادية.
أما اتهام موسى بالخلاعة، وهو السبب الثالث، فاتهام باطل من أساسه، وقد احترق به طارق كما احترق به موسى، باعتباره أحد موالي موسى، ولم تكن تلك التهمة في الواقع إلاّ في خَلَد الخليفة ومَن يشايعه في ظنونه وأوهامه.
والحق، أن موسى أصبحت له شعبية طاغية في إفريقية والمغرب والأندلس بخاصة، وفي سائر بلاد المسلمين بعامة، لفتوحاته العظيمة، وانتصاراته الباهرة، ولفضله وإحسانه على الناس مادياً ومعنوياً.
كما أصبحت لطارق شعبية طاغية في الأندلس وبين البربر بخاصة، وفي إفريقية وسائر بلاد المسلمين بعامة، لفتوحاته العظيمة، وانتصاراته الباهرة، ولشجاعته الفذّة، وإقدامه النادر.
والشعبية الطاغية، إذا تحلّى بها قائد من القادة، فإن ذلك لا يُريح المسئول الأعلى، ويجعله يخشى ذلك القائد، ويظن به الظنون، ومن تلك الظنون اتهامه بالخلع، حتى ولو كان بعيداً عن التفكير بذلك، كما كان الحال بالنسبة لموسى وطارق.
وشعبية موسى الطاغية، وشعبية طارق الطاغية، هي التي أدّت إلى سحبهما عن الأندلس إلى دمشق، وحرمانهما من قيادتهما المنتصرة الموفقة، وحرمان الفتح من جهودهما المثمرة، حيث خافت الخلافة منهما على