للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ألمع قادة الفتح الإسلامي، ولا يمكن أن يولي على مقدمته إلاّ مَن كانت له سمات قيادية متميزة، لأن المقدمة مسئولة عن أمن سائر الجيش، ومسئولة عن الحصول على المعلومات عن العدو والأرض، وهي التي تُيَسِّر تقدم الجيش إلى الأمام بسهولة وانطلاق، ومسئولة عن منع العدو من الحصول على المعلومات عن جيش المسلمين، لئلا يستفيد من تلك المعلومات في ضربه وعرقلة تقدمه في المكان والزمان الجازمين، وهي مسئولة عن تطهير الطريق ليتقدم الجيش بسرعة واندفاع، ولا يمكن أن ينهض بهذه المسئوليات إلا قائد متميز.

والذي يبدو، أن موسى، جرّب طارقاً، في مسيرته الطويلة الشاقة، من القيروان إلى المحيط الأطلسي، فأثبت طارق أنه جدير بالثقة، فولاّه موسى على مقدمته أولاً، فكانت أول الغيث، ثم انهمرت عليه المناصب بعد ذلك.

وقد كان موسى على صلة وثيقة بطارق، لأن طارقاً هو مولى موسى، ومن مواليه المقربين، ولكن موسى لم يُقدِم على تولية طارق القيادة، لأن طارقاً مولاه، فليس هناك مَن يولي القيادة في أيام الحرب مَن لا يستحقها، حتى ولو كان ابنه أو شقيقه، ولا يُولي في مثل تلك الظروف غير ذوي الكفاية القيادية العالية من القادرين على تحمل أعباء القتال وقيادة الرجال، لأن مَن يُولِّي منصباً قيادياً في أيام الحرب لمن لا تتوفر فيه الكفاية والمزايا القيادية المطلوبة، تكون العاقبة الوخيمة هزائم واندحاراً وخسائر فادحة عليه، وعلى جيشه وعلى القائد الذي تولى القيادة اعتباطاً وعلى الأمة والبلاد، ولا يمكن أن يقع في مثل هذا الخطأ الشنيع قائد متميز مثل موسى ولا أي قائد آخر.

إن مفتاح مزايا قيادة طارق، هو أنه كان المثال الشخصي لرجاله في الشجاعة والإقدام، فهو لا يكتفي بإصدار الأوامر لرجاله، بل هو أول من يبدأ بتنفيذها على نفسه، بشكل يكون فيه أسوة حسنة للذين يعملون معه، إن استطاعوا.

ولم يكن طارق من القادة الذين يقودون رجالهم من الخلف: يُصدر أوامره

<<  <  ج: ص:  >  >>