للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إليهم، ويطالبهم بتنفيذها، ثم يقبع في الخلف آمناً مطمئناً بعيداً عن الخطر. إنه من القادة الذين يقودون رجالهم من الأمام: يصدر أوامره إلى رجاله، ويقول لهم اتبعوني، وافعلوا ما تروني أفعل، ثم يكون القدوة لرجاله في الشجاعة والإقدام، والتضحية والفداء.

كان يُتْعِب نفسه، أكثر مما يتعب رجاله، فكان لا ينام ويُنِيم.

ولكي تتضح سمات طارق القيادية، لا بد من ضرب الأمثال، لكي نستنتج منها تلك السمات بوضوح وجلاء.

وحين أصبح المسئول عن فتح الأندلس، أعدّ خطة الفتح المفصّلة، وبدأ بتنفيذ مراحلها في رمضان من سنة إحدى وتسعين الهجرية (آب - أيلول = أغسطس - سبتمبر ٧١٠ م)، وذلك بإرسال حملة استطلاعية بقيادة أبي زَرْعة طَريف بن مالك المعافري، مؤلفة من أربعمائة راجل ومائة فارس.

ونجحت مهمة طريف الاستطلاعية نجاحاً باهراً، فقرر طارق أن يقود الحملة المقبلة، تنفيذاً لمراحل خطة الفتح.

لقد كان طارق قائداً يبدأ أعماله بالاستطلاع المفصّل، ليكون على بيِّنةٍ من أمره، ولا يخطو خطوة إلاّ بعد جمع المعلومات الضرورية بالاستطلاع، فلا يضع خطوته إلاّ في موضع أمين، واضح المعالم غير مجهول التفاصيل، فهو يعمل دائماً بالنور، ولا يعمل أبداً في الظلام، وتلك سمة مهمة من سمات القائد الحصيف.

وفي عملية عبور جيش طارق من مدينة سَبْتة إلى بر الأندلس، برزت ثلاث سمات من سمات قيادته: الأولى: استئثاره بالخطر لحماية رجاله وإيثارهم بالأمن، والثانية: حرصه الشديد على أرواح رجاله، والثالثة: المبالغة في بذل جهده للاطمئنان على سلامة العملية في الإنزال، والتأكد من إكمال عبور رجاله كافة كما ينبغي دون تخلف بعضهم عن العبور، وإنجاز عملية العبور بدون خسائر تذكر مادياً ومعنوياً.

فقد أبحر طارق من سبتة على رأس الوجبة الأولى من رجاله ليلاً، وجرى

<<  <  ج: ص:  >  >>