ولعل مما يدل دلالة واضحة، على تمتع طارق بالذكاء الخارق، والكياسة، وحسن التدبير والسياسة، والمقدرة على استقطاب ثقة الناس به من رجاله ومن أعدائه، ما فعله طارق مع يُليان صاحب سبتة، فقد استعصت هذه المدينة على الفاتحين، ونجحت في صدهم عن أسوارها خائبين. وقد تطرقنا بما فيه الكفاية عن أسباب ثبات سبتة أمام الفاتحين، وأسباب استسلام يُليان للمسلمين وتسليم سبتة لهم صلحاً بدون قتال، وتوطيد صلته المباشرة بالمسلمين في التعاون معهم ومعاونتهم في الفتح. ولكن صلة يُليان المباشرة بطارق واتصاله به - لأن طارقاً كان على طنجة التي على حدود سبتة - وهو السبب المهم في استسلام يليان للمسلمين وتسليم سبتة لهم سلماً بدون قتال.
تلك هي سمات قيادة طارق البارزة: ذكاء خارق، وكياسة واتِّزان وحصافة، وحسن التدبير وحسن السياسة، والقابليّة على استقطاب الثقة به إنساناً وقائداً، ونسبه البربري الذي آثر عليه نسبه إلى الإسلام، وإيمانه العميق الراسخ بتعاليم الذين الحنيف، وتجربة عملية ناجحة في القيادة، يقود رجاله من الأمام، ويكون قدوة حسنة لهم بالأعمال لا بالأقوال، يستأثر دون رجاله بالخطر ويؤثرهم بالاطمئنان، يبذل جهداً في جهاده أكثر مما يبذله أيّ رجل من رجاله، حريص غاية الحرص على أرواح رجاله، يتحلى بالضبط المتين، ويتحمل المسئولية كاملة ويحبها، يبذل قصارى جهده لرفع معنويات رجاله، ويهتم بأمن جيشه كل الاهتمام، يسبق النظر فيُعدّ لكل ما يُحتمل وقوعه من علاج، لا يجتاحه الغرور ولا يستخذي للأماني، يقدِّر الموقف العسكري تقديراً واقعياً صائباً، يتميز بالشجاعة النادرة والإقدام.
تلك هي مجمل سمات قيادة طارق، التي أهّلته بحق لتولي منصب القيادة، على عهد بني أميّة، وعلى قادة من العرب، رضوا بقيادته، وتعاونوا معه، وعاونوه في ميادين ................................................