للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أو أُقتل دونه" (١)، و: "ما فعلت من شيءٍ فافعلوا مثله، إن حملتُ فاحملوا، وإن وقفت فقفوا .... ألا وإني عامد إلى طاغيتهم بحيث لا أتهيّبه حتى أُخالطه أو أُقتل دونه" (٢)، فهو لا يريد من رجاله شيئاً أكثر من أن يفعلوا ما يفعله ويقتفوا آثاره في الشجاعة والإقدام. ومن الواضح، أن تأثير طارق في رجاله كان عظيماً، فقد كان قدوتهم في الشجاعة، وخير دليل على شجاعتهم ما أنجزوه في الفتوح، وما أحرزوه من انتصارات، وما بذلوه من تضحيات.

ومن الأمثلة التي تدل على شجاعة طارق النادرة، أن العِلْج صاحب إِسْتَجَّة خرج إلى النهر وحده لبعض حاجاته، فصادفه طارف هناك، وكان طارق قد أتى لمثل ذلك، وطارق لا يعرفه. ووثب طارق على العلج صاحب إِسْتَجَّة في الماء، وأخذه أخذاً وقاده إلى معسكر المسلمين، فلما كاشفه اعترف له بأنه أمير المدينة، فصالحه طارق على ما أحبّ، وضرب عليه الجزية، وخلّى سبيله. وكان طارق يحاصر المدينة، فاستسلمت للمسلمين، ووفّى العلج أمير المدينة بما عاهد عليه طارقاً (٣)، ولا يمكن أن يبتعد قائد عن جيشه، ويخرج وحده بعيداً عن رجاله، فيصاول رجلاً من الأعداء ويأسره، ثم يظهر أن الأسير أمير المدينة المحاصرة وبيده الحل والعقد ومصير المدينة، فيفتدي نفسه بتسليم المدينة للفاتحين، بعد أن قاومت مقاومة شديدة مدة طويلة. وطارق في مزيّة الشجاعة، يشابه خالد بن الوليد في هذه المزية، فقد كان خالد أيضاً يترصّد قائد أعدائه، فإذا استمكنه هاجمه هجوماً مباشراً، حتى يقتله أو يأسره؛ وقَتْلُ القائد في تلك الأيام، يؤدي غالباً إلى انهيار معنويات


(١) مجلة معهد الدراسات الإسلامية في مدريد (٥/ ٢٢٢ - القسم الفرنجي) وسراج الملك (١٥٩) وتاريخ الأندلس لابن الكردبوس، ووصفه لابن الشباط (١٥٤ - ١٥٥) تحفة الأنفس لابن هذيل نقلاً عن: دولة الإسلام في الأندلس (١/ ٤١).
(٢) الإمامة والسياسة (٢/ ٧٤) ووفيات الأعيان (٤/ ٤٠٤ - ٤٠٥) وتاريخ الأندلس لابن الكردبوس ووصفه لابن الشباط (١٥٤ - ١٥٥) ونفح الطيب (١/ ٢٢٥ - ٢٢٦).
(٣) نفح الطيب (١/ ٢٦٠) وانظر أخبار مجموعة (٩/ ١٠) وابن الأثير (٤/ ٥٦٣) والبيان المغرب برواية الرازي (٢/ ٨ - ٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>