للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الغوث" (١) فعبر موسى إلى الأندلس، باستدعاء طارق إياه (٢).

وهذا يظهر مزيتين مهمتين من مزايا طارق القيادية، هما: تقديره الصائب للموقف العسكري، ومطالبته بالمدد في الوقت الذي يحتاج إلى المدد، دون أن يغتر بالمعنويات العالية التي يتحلى بها ويتحلى بها رجاله، وبالانتصارات المتوالية على العدو القوطي. والمزية الثانية، هي حرصه العظيم على أمن رجاله، فلا يفسح المجال لتعرضهم إلى التهلكة دون مسوِّغ. وهاتان المزيتان من أهم المزايا التي يتصف بها القادة العظام في التاريخ. فإن تقدير الموقف الصائب في الزمان والمكان المناسبين يدل على تمتع القائد بالذكاء الألمعي، وبمزية سبق النظر، فيتوقع الأحداث قبل وقوعها، ويُعدّلها ما يمكن أن تُعالج به علاجاً ناجعاً. أما الحرص على أمن قوات القائد، فهو الذي يحفظ لها معنوياتها من الانهيار، ويجعلها تثق بالقائد وتنفذ أوامره طوعاً عن طيبة خاطر، مهما يعترض سبيلها من مصاعب ومعضلات.

وقد ظهرت مزيّة: الشجاعة، في طارق، في مواقف كثيرة، فضرب بشجاعته لرجاله أروع الأمثال، وكان أسوة حسنة لهم، حتى كانت خسائر رجاله في معركة لَكُّهْ، وهي المعركة الحاسمة بين المسلمين بقيادة طارق، وبين القوط بقيادة لذريق، ثلاثة آلاف شهيد، من مجموع جيش طارق الذي كان اثنى عشر ألف مقاتل، أي أن خمسة وعشرين بالمائة من جيش المسلمين استشهدوا في هذه المعركة الحاسمة، فقد قسم طارق الغنائم بعد انتصاره على القوط في هذه المعركة على تسعة آلاف من المسلمين (٣)، أي أن هؤلاء هم الذين سَلِموا، واستُشهد الباقون.

ويقول طارق في خطبته على رجاله قبل الاشتباك بالقوط في تلك المعركة الحاسمة: " .... ألا وإني عامد إلى طاغيتهم بنفسي، لا أقصِّر حتى أُخالطه


(١) الإمامة والسياسة (٢/ ٧٤ - ٧٥).
(٢) البيان المغرب (٢/ ١٩).
(٣) نفح الطيب (١/ ١٦٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>