المفاجئ، من غير أن يراه أحد على الشاطئ (١)، فتم إنزال جماعته الأولى بسلام دون خسائر تذكر، وكوّن بإنزالها رأس الجسر الواجب إقامته لتأمين عبور المسلمين وإنزالهم على البر الأندلسي بسلام ودون خسائر تذكر.
ومن هذه العملية الصغيرة، المتمثلة في عبور الوجبة الأولى من رجال طارق إلى الأندلس، يبدو قراران سريعان صحيحان: الأول: قراره تبديل مكان الإنزال من الجزيرة الخضراء إلى جبل طارق، للتخلص من مقاومة القوط للإنزال. والثاني: في استخدام المجاذيف وبراذع الخيل على الصخور لتلافي خطرها على رجاله.
ويمكن استنتاج قراراته السريعة الصحيحة، في كل عملياته الحربية التي استمرت أربع سنوات في الأندلس، وهي كثيرة جداً لا تحصى، فلا عملية بدون قرار سريع صحيح، وإلاّ كانت الهزيمة، ولا نعرف هزيمة لطارق في حياته العسكرية، مما يدل على أنه كان ذا قرار سريع صحيح على الدوام، ولعل تولية طارق مقدمة موسى في فتح طنجة، ومقدمة موسى بعد عبوره إلى الأندلس، خير دليل على تمتعه بالقرار السريع الصحيح، لحاجة قائد المقدمة إلى مثل هذا القرار.
ب - وكان طارق يتحلى بالشجاعة الشخصية، وكل عملياته في فتح الأندلس، تدل على أنه كان شجاعاً مقداماً، من الطراز الأول شجاعة وإقداماً، وقد ذكرنا أمثلة على شجاعته النادرة قبل قليل، ولعل هذه الشجاعة هي التي لفتت نظر موسى بن نصير وغيره من المسئولين، ولفتت إليه أنظار رجاله من العرب والبربر، فكان أسوة حسنة لهم في الشجاعة والإقدام.
ج - وكان طارق يتحلى: بالإرادة القوية الثابتة، فإقدامه على العبور إلى الأندلس لفتحها، على رأس سبعة آلاف مقاتل فقط، دليل واضح على قوة إرادته وثباتها. وإقدامه على خوض المعركة الحاسمة على رأس اثني عشر
(١) ابن الكردبوس (٤٦) وفي البيان المغرب (٢/ ٩) يورد رواية مشابهة عن عبور طارق ونزوله على الجبل.