للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

طارق، ويقضي بالتعاون مع طارق على مراكز المقاومة القوطية أو على أخطر مراكزها في جبال الأندلس على أصحّ تعبير.

ز- وكان يتمتع بمزية: معرفة النفسيات والقابليات لرجاله، فأكثرهم من البربر، عاش معهم، وعاشوا معه. أما العرب الذين كانوا في جيشه، فقد كان أكثرهم معه في طنجة يعمل في مجال الدعوة، فلما عبر إلى الأندلس، استمروا على عملهم في مجال الدعوة، وتحملوا أعباء الجهاد بالإضافة إلى واجبهم الأصلي، فكانوا كالمجاهدين الآخرين، إن لم يتفوقوا عليهم في طلب الشهادة والاستقتال في سبيل الله. وبهذه المناسبة، فقد كان علماء السّلف الصالح، وهم الدعاة إلى الله، لا يتخلفون عن تحمل أعباء الجيش بأمانة وإخلاص، وكانوا حين يذكرون: أن الجهاد فرض، لا يكتفون بهذا الكلام، بل يطبقونه عملياً على أنفسهم، وليس سراً أن نسبة القراء من شهداء معركة اليمامة بين المسلمين بقيادة خالد ابن الوليد وبين بني حَنِيفَة المرتدين بقيادة مُسَيْلَمة الكذّاب، كانت أعلى من نسبة شهداء المسلمين الآخرين، فقد شهد المعركة من المسلمين نحو ثلاثة عشر ألف مقاتل (١)، فاستشهد من المسلمين ألف ومائتا شهيد (٢)، منهم خمسمائة من القراء (٣) وحدهم، أي أن خمسة وأربعين بالمائة من الشهداء كان من القراء، وهم علماء المسلمين، بينما كان تعدادهم بالنسبة للمسلمين الآخرين قليلاً (٤)، وهكذا كان علماء المسلمين يُقرنون الأقوال بالأفعال، بل كانوا يقولون قليلاً، ويفعلون كثيراً، وهذا هو سر استجابة الناس لهم وإقبالهم عليهم.


(١) جاء في كتاب: فضائل القرآن لابن كثير ص (١٢) ملحق بالجزء التاسع من تفسير ابن كثير ما يلي: "التفّ حول مسيلمة من المرتدين قريب من مائة ألف، فجهّز الصدّيق أبو بكر لقتاله خالد بن الوليد في ثلاثة عشر ألفاً".
(٢) الطبري (٢/ ٥١٩).
(٣) الطبري (٢/ ٥١٩) وابن الأثير (٢/ ١٤٠).
(٤) أنظر التفاصيل في كتابنا: بين العقيدة والقيادة (٢١٢ - ٢١٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>