للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العليا، وليس لمصلحته الشخصية مكان ولا مكانة حثى يفرح إذا ربحت، ويحزن إذا خسرت، وهذا هو سر صبره الجميل، وبقاء نفسيته ثابتة لا تتبدل.

و- وكان طارق يتمتع بمزية: سبق النظر، وهذه المزية تجعل القائد يتوقع ما سيقوم به العدو قبل وقوع الأمر بوقت كافٍ، ويتخذ التدابير الضرورية لإحباط ما يقوم به العدو. أي أن سبق النظر، هي عملية اكتشاف نيات العدو المقبلة، واتخاذ الاجراءات الكفيلة بإحباط النشاط المعادي في الزمان والمكان المناسبين.

وقد ظهرت مزية سبق النظر في طارق، بصورة جلية وواضحة في استنجاد طارق بموسى، حين علم باقتراب لذريق وقواته المتفوقة من مواضع المسلمين، قبل اشتباك المسلمين بالقوط في معركة لَكُّهْ، وهي المعركة الأندلسية الحاسمة، فأرسل موسى إلى طارق خمسة آلاف مقاتل مدداً، وبهذا المدد قويت نفس طارق ونفوس مَن معه وبهذه النجدة التي انضمت إلى جيش طارق، استطاع طارق إحراز النصر على القوط.

وتكرر استنجاد طارق بموسى بعد تغلغله بالعمق في الأندلس، فعرّض ميمنة المسلمين وميسرتهم وخطوط مواصلاتهم لخطر معادٍ عظيم. وقد سبق طارق النظر، فاستنجد بموسى، فبادر موسى إلى نجدته بنفسه، وعبر إلى الأندلس، وقضى على الخطر الداهم الذي كان يتهدد المسلمين قبل عبوره، وقضى بالتعاون مع طارق على المقاومات القوطية التي أخذت تشتدّ شيئاً فشيئاً بالتدريج.

وما كان بإمكان طارق أن ينتصر على القوط في المعركة الحاسمة، لو لم يسبق النظر فيستنجد بموسى، فيصله المدد، فيقوى المسلمون به مادياً ومعنوياً، ويحرزون النصر المؤزر على القوط.

وما كان بإمكان طارق، أن ينجو بجيشه المعرّض جناحاه وخطوط مواصلاته إلى تعرض مُعَادٍ، لو لم يسبق النظر، فيستنجد بموسى، فيعبر موسى بنفسه على رأس قوات ضاربة، يُزيل بها الخطر المحدق بجيش

<<  <  ج: ص:  >  >>