للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من حقائق التاريخ.

ورغب ملك قرطبة أن يتخلص من الموقف الحرج الخطر الذي حاق برجاله، عند إيقانه أنه هالك إذا بقي معهم، ففرّ عن رجاله وحده بعد أن استغفلهم، ورام اللّحاق بطُلَيْطِلَة. وعلم مغيث بهرب الملك، فبادر الركض خلفه وحده، فلحقه بقرب قرية تُطِيلَة هارباً وحده، وهي قرية قريبة من قرطبة، وكان تحت هذا الهارب فرس أصفر ذريع الخَطْوِ. والتفت الملك ودُهِش لما رأى مغيثاً يطارده مطاردة عنيفة بلا هوادة، فزاد في حثّ فرسه، فقصر به، فسقط عن الفرس، واندقَّت عنقه، فقعد على ترسه مستأسراً، قد هاضته السقطة، فقبض عليه مغيث، وسلبه سلاحه، وحبسه عنده ليقدم به على أمير المؤمنين الوليد بن عبد الملك، ولم يؤسر من ملوك الأندلس غيره، لأن بعضهم استأمن، وبعضهم هرب. إلى جِلِّيقِيَّة (١). وفي رواية: أن مغيثاً استنزل أهل الكنيسة، بعد أسره لمليكهم، فضرب أعناقهم جميعاً، فمن أجل ذلك عُرفت بكنيسة الأسرى (٢)، وأنه اختار القصر لنفسه والمدينة لأصحابه (٣). وسكن مغيث قصر الملك الذي أصبح فيما بعد مقام الأمراء والخلفاء، بعد أن عُدّل وأضيفت إليه أجزاء كثيرة. وقد ترك المسلمون كنيسة الأسرى لنصارى قرطبة، فظلت أكبر كنائسهم في عاصمة الأندلس الإسلامية، طالما بقيت المدينة في حوزة المسلمين (٤).

ومن الواضح أن المقصود بملك قرطبة، هو حاكم قرطبة، ولكن المصادر العربية تلقبه بلقب الملك، لأنه أكبر مسئول رسمي في المدينة، والواقع أنه كان في الأندلس ملك واحد، وكان على المناطق حكام، يرتبطون بالملك،


(١) جليقيّة: ناحية قرب ساحل البحر المحيط من ناحية شمالي الأندلس في أقصاه من جهة الغرب، أنظر معجم البلدان (٣/ ١٣١).
(٢) نفح الطيب (١/ ٢٦٢ - ٢٦٥) وأنظر البيان المغرب (٢/ ١٠).
(٣) نفح الطيب (١/ ٢٦٥).
(٤) فجر الأندلس (٨٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>