للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نحو ثلاثة أشهر، حتى استطاع المسلمون قطع الماء عن المحصورين، وكان يجري إلى الكنيسة في مجرى تحت الأرض، وقصة اكتشاف مصدر هذا الماء، أن مغيثاً ضاق بطول حصار المدينة، فتقدم إلى رجل أسود من رجاله اسمه رَباح، وكان ذا بأس ونَجْدَة، وأمره بالكُمون في جنان إلى جانب الكنيسة ملتفّة الأشجار، لعلّه يظفر بعلج يقف به على خبر القوم، ففعل وبصر به أهل الكنيسة فأسروه وحبسوه في الكنيسة. ومكث في إسارهم سبعة أيام اطّلع خلالها على مصدر الماء الذي يأتي عبر قناة، ثم فرّ من الكنيسة ليلاً، وأخبر مغيثاً عن موضع الماء ومصدره، فأمر مغيث بطلب قناة الماء في الجهة التي أشار إليها الأسود حتى أصابوها، فقطعوها عن جَرْيتها إلى الكنيسة، وسدّوا منافذها. وأيقن المحصورون في الكنيسة بالهلاك، فدعاهم مغيث إلى الإسلام أو الجزية، فأبوا عليه، فأوقد النار عليهم حتى أحرقهم، فسمّيت: كنيسة الحرقى (١)، ومن المستبعد أن يُقدم المسلمون على حرق الكنيسة، وفيها نحو أربعمائة فارس من القوط، لأن الكنيسة ظلت بعد ذلك في أيام المسلمين زماناً طويلاً، وليس فيها للنار أثر (٢)، ولم يسبق للمسلمين الإقدام على حرق الكنائس على مَن فيها من البشر، ولا مسوِّغ بحرقها بعد انقطاع الماء عنها، لأن استسلام حاميتها بعد انقطاع الماء عنهم أصبح مضموناً، وثباتهم لن يطول إلاّ ريثما ينفذ ماؤهم، وإلاّ ماتوا عطشاً، فلا يُقدم على حرق الكنيسة، في مثل هذا الموقف الراهن الذي تعيشه، بانقطاع الماء عنها، مسلم ولا غير مسلم أيضاً.

ويبدو أن قصة حرق الكنيسة لم تحظ بتصديق المصادر المعتمدة، فلم تذكر في مصدر من المصادر الإسلامية (٣)، لأنها متهافتة لا ترقى إلى حقيقة


= الأخبار المجموعة (١٢)، وأنظر سافدرا (٨٥) هامش (١).
(١) نفح الطيب (١/ ٢٦٣) برواية الرازي.
(٢) فجر الأندلس (٨٢).
(٣) أنظر مثلاً: البيان المغرب (٢/ ١٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>