نظير إمهاله بعض الوقت في غزو جلِّيقِيَّة. وقَبِلَ مغيث هذه الشروط، فلما اطمأن موسى إلى ذلك، بادر بالمسير شمالاً لإكمال فتوحه (١).
والحديث عن إقناع مغيث بالغنيمة والقصر، لإبقاء موسى على رأس جيشه في الأندلس، من أجل استكمال خطّة الفتح كاملة، ليس من السهل تصديقه ولا قبوله، فهو رشوة لتأجيل تنفيذ أمر الخليفة الواضح الصريح، في استقدام موسى من الأندلس، وقد كان مغيث قويّاً أميناً، لا يتقبّل الرشوة، ولا يرتضي لنفسه مخالفة الخليفة الصريحة الواضحة في حال من الأحوال، والذي يبدو أن الخليفة أمر مغيثاً أن يُشخص موسى إلى دمشق، دون أن يأمره بإشخاصه فوراً، وترك الحرية لمغيث أن ينفِّذ أمره دون تقييده بوقت معين محدود، فكان لمغيث أن يتصرف في أمر موسى بحرية مطلقة. ورأى مغيث أن الموقف العسكري يتطلب بقاء موسى ردحاً من الزمن في الأندلس لاستكمال فتوحاته، واقتنع برأي موسى بضرورة بقائه لغزو منطقة جِلِّيقِيّة التي كانت مركز حشود المقاومة القوطية، حتى لا يتعرض إقليم طليطَلة لتعرض قوطي متوقع، قد يتسع نطاقه ليهدّد فتح المسلمين كله للأندلس إلى الخطر، كما لم يجد مغيث أي محذور لبقاء موسى في قيادته، وهو حاضر، والخليفة غائب، ويرى الحاضر ما لا يرى الغائب، ومغيث ليس متّهماً من الخليفة، وهو موضع ثقته الكاملة به، فلا اعتراض للخليفة على بقاء موسى مدة من الزمن لا تطول، من أجل مصلحة الفتح في الأندلس، ومن أجل حاضر الفتح ومستقبله. كما أن موسى لم يعترض على تنفيذ أمر الخليفة، كما لا يستطيع أن يعترض عليه، فكان لبقاء موسى فائدة للفتح، دون ضرر على العلاقة، لذلك اقتنع مغيث بالسير مع موسى ومرافقته في فتوحه الجديدة، وكانت الغنيمة والقصر جزاء جهوده وجهاده لا جزاء تقاعسه وتراخيه في تنفيذ أمر الخليفة، أو جزاء التخلّي عن هذا التنفيذ.