للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والغريب أن المستشرقين ركّزوا على هذه الفرية، وبالغوا في شرحها وتوضيحها وتسليط الأضواء عليها، فصوروا مغيثاً في فصل من فصولهم متواطئاً مع موسى على الخليفة، وصوّروه في فصل آخر عدوّاً لدوداً لموسى، يشنِّع على موسى لدى الخليفة، لأنه كان يرى نفسه أحق من موسى بتولي الأندلس (١)، وليس ذلك من خلق التابعين وتابعي التابعين، ولا كان الدسّ والافتراء والحسد والرشوة من أخلاقهم. فإذا لم يكن ذلك مقنعاً للمؤرخ الذي تتبع خلق أولئك الرجال، فالتناقض المكشوف في موقف مغيث - بحسب ادعاءات المستشرقين - لابد من أن يكون مقنعاً، إذ كيف يمكن أن نصدِّق أن مغيثاً يفتري ما يفتري على موسى بحضور الخليفة، ثم يسكت عنه موسى في فضح تقاضيه الرشوة، لقاء تراخيه في تنفيذ الأمر الخليفي؟ وهل من المعقول أن يعفو الخليفة عن التراخي في تنفيذ أمره لقاء رشوة معروفة مكشوفة وليست سِرّاً من الأسرار؟ ثم كيف يكون مغيث مع موسى على الخليفة مرة، ويكون مع الخليفة على موسى مرة أخرى!!

وبالطبع استفاد المستشرقون من المصادر العربية الإسلامية، في ترويج هذه الادعاءات وما أراد مؤلفوها ذلك.

وبعد أن استكمل موسى خطة فتحه، ومغيث معه، أخذ مغيث يتعجل موسى، وكان الوليد بن عبد الملك معجلاً عليه لا يريد أن يتمهّل إذ أن رسولاً آخر من الوليد، يكنّى: أبا نَصْر، بعثه إلى موسى، عندما استبطأه في القفول، فأتاه وهو بمدينة لُكّ بناحية جلِّيقِيّة (٢). وبادر موسى بالعودة مع أبي نصر من لُكْ، وكان مع أبي نصر رسالة من الوليد إلى موسى يأمره بالخروج من الأندلس، فغادر موسى الأندلس مع طارق بن زياد ومغيث وأبي نصر في شهر ذي الحجة من سنة خمس وتسعين الهجرية (٣) (أيلول - سبتمبر - ٧١٤ م).


(١) نفح الطيب (٣/ ١٢ - ١٣).
(٢) نفح الطيب (١/ ٢٧٦).
(٣) نفح الطيب (١/ ٢٧٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>