للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولما قفل موسى بن نصير إلى المشرق وأصحابه، سأل مغيثاً أن يُسلِّم إليه العِلْجَ صاحب قرطبة الذي كان في إساره، فامتنع عليه، وقال: "لا يؤديه للخليفة سواي"، وكان مغيث يُدِلّ بولائه من الوليد بن عبد الملك، فهجم عليه موسى فانتزعه منه، فقيل لموسى: "إن سِرْتَ به حيّاً معك، ادّعاه مغيث، والعلج لا ينكر قوله، ولكن اضرب عنقه"، ففعل، فاضطغنها عليه مغيث، وصار إلْباً مع طارق السّاعي عليه (١).

ومن الصعب تصديق، أن موسى يُقدم على قتل العلج بعد أن أصبح بحوزته، حتى لا يدّعيه مغيث لنفسه، لأن علاقة العلج بمغيث أشهر من أن لا تعرف على حقيقتها، فلا مسوِّغ لقتل العلج لتغطية قصة أسره من مغيث، كما أن من الصعب تصديق أن موسى يُقدم على اغتصاب العلج من مغيث، فقد كان مع موسى في رحلته إلى المشرق ما لا يُحصى من الرجال والنفائس (٢)، ما يمكن أن يُعَدّ العلج، إلى جانبها أمراً تافهاً لا يُؤْبَهُ به، ولا مجال أن نجعله مشكلة بين موسى ومغيث، ولا مسوِّغ لذلك.

ولما قدم موسى وطارق بن زياد ومغيث وأبو نصر إلى الوليد بن عبد الملك في دمشق، كان قدومهم عليه وهو في آخر شكايته التي تُوفي فيها، إذ بلغوا دمشق سنة ست وتسعين الهجرية (كانون الثاني - يناير - ٧١٥ م)، أي قبل وفاة الوليد بأربعين يوماً (١). وخلف الوليد أخوه سليمان بن عبد الملك الذي كان مستاءً أيضاً من موسى، لأن طارق بن زياد ومغيثاً رمياه بالخيانة، وأخبراه بما صنع بهما من خبر المائدة والعلج صاحب قرطبة، وقالا له: (إنه قد غَلّ جوهراً عظيماً أصابه، لم تحوِ الملوك من بعد فتح فارس مثله)، فلما وافى سليمان وجده ضغيناً عليه، فأغلظ عليه واستقبله بالتأنيب والتوبيخ، فاعتذر


(١) نفح الطيب (١/ ٢٧٩) و (٣/ ١٣ - ١٤).
(٢) أنظر التفاصيل في الإمامة والسياسة (٢/ ٨٢) وتاريخ افتتاح الأندلس (٣٦)، وأنظر فجر الأندلس (١٠٧).
(٣) ابن الأثير (٤/ ٥٦٦) والنويري (٢٢/ ٣٠) وابن الكردبوس (٥٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>