للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشعر والنثر ما يجوز كَتْبُه. وعنوان طبقته في النثر، أن موسى بن نصير قال له، وقد عارضه بكلام في محفلٍ من الناس: "كُفَّ لسانك"، فقال: "لساني كالمفصل، ما أكفّه إلاّ حيث يقتل" (١).

ومن الصعب تقدير منزلته شاعراً وناثراً، بهذا البيت من الشعر، وهذا المقطع من النثر، ولكنهما دليل على كل حال أنه أفصح بالعربية، وهو الرومي نسباً، العربي لساناً.

وكان مشهوراً بحسن الرأي والكيد، فقد ذكروا أنه لما حصل بيده صاحب قرطبة وحريمه، رأى فيهنّ جارية كأنّها بينهنّ بدر بين نجوم، وهي تكثر التعرّض له بجمالها، فوكل بها مَن عرض عليها العذاب إن لم تُقِرَّ بما عزمت عليه في شأن مغيث، وأنه قد فطن من كثرة تعرّضها له بحسنها لما أضمرته له من المكر، فأقرّت أنها أكثرت التعرّض له لتقع في قلبه، إذ حُسْنُها فَتَّان، وقد أعدّت له خرقة مسمومة لتمسح بها ذَكَرَه عند وقاعها، فحمد الله تعالى على ما ألهمه إليه من مكرها، وقال: "لو كان نفس هذه الجارية في صدر أبيها، ما أخذت قرطبة من ليلة" (٢).

وأراد سليمان عبد الملك، أن يصرف سلطان الأندلس إلى طارق بن زياد، فاستشار سليمان مغيثاً في تولية طارق، فقال له: "كيف أمره بالأندلس؟ "، فقال مغيث: "لو أمر أهلها بالصلاة إلى أي قبلة شاءها لتبعوه ولم يروا أنهم كفروا"، فعملت هذه المكيدة في نفس سليمان، وبدا له في ولايته. ولقيه طارق بعد ذلك، فقال له: "ليتك وصفت أهل الأندلس بعصياني، ولم تضمر في الطاعة ما أضمرتَ"، فقال مغيث: "ليتك تركتَ لي العِلْجَ فتركتُ لك الأندلس"، وكان طارق قد أراد أن يأخذ منه صاحب قرطبة الذي حصل في يده، فلم يمكنه منه، فأغرى به سيّده موسى بن نصير، وقال له: "يرجع إلى دمشق، وفي يده عظيم من عظماء الأندلس، وليس في أيدينا مثله، فأي فضل


(١) نفح الطيب (٣/ ١٢ و ١٤).
(٢) نفح الطيب (٣/ ١٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>