للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليهم (١)، ولانقطاعهم من وراء البحر عن المسلمين (٢)، فقيل له: إنّ المسلمين قد تكاثروا بها واستقروا، فعدل عن مشروعه، "قالوا وليت الله تعالى أبقاه حتى يفعل، فإنّ مصيرهم مع الكفار إلى بوار، إلاّ أن يستنقذهم الله برحمته" (٣)، ويبدو أنّ هذه الأمنية سُجِّلت بعدما حدث ما حدث في الأندلس، وخسرها المسلمون، وخسروا كثيراً من أرواحهم وأملاكهم، وما هو أغلى من الأرواح والأملاك، ولكن عقلاء المسلمين حالوا في حينه بينه وبين تنفيذ رغبته في إقفال المسلمين من الأندلس، لأنّ المسلمين كانوا قد تكاثروا فيها، وأصبح من الصعب إقفالهم، ولكن هذه الفكرة تدل بوضوح على بعد نظر عمر ابن عبد العزيز وصدق توقّعه للحوادث والأحداث قبل وقوعهما.

وقد قرّر عمر بن عبد العزيز بعد اختيار السَّمح لولاية الأندلس، أن تكون ولاية مستقلة عن إفريقيّة والمغرب، تابعة للخلافة مباشرة، ومرتبطة بها، لما رآه من أهميتها واتِّساع رقعتها وشئونها، وكانت إلى ذلك الحين تابعة لعامل إفريقيّة والمغرب وإليه تعيين ولاتها.

وقدم السَّمح الأندلس في شهر رمضان من سنة مائة الهجرية، مزوّداً بتوجيه عمر في أن يتّبع الرفق والعدل، وأن يُقيم كلمة الحق والدين. وكان السَّمح وافر الخبرة والحكمة والعقل، فقبض على زمام الأمور بحزم وهمّة، وبادر بقمع المنازعات والفتن، وإصلاح الإدارة والجيش، وخمّس جميع أراضي الأندلس التي فُتحت عَنْوَة، أي أنّه مسحها وقرّر عليها الخراج بنسبة الخُمس.

وقد وصف ما فعله المسلمون في مسألة الأرض الأندلسية، أحد مؤرخي الغرب الأجانب فقال: "وقد ترك الفاتحون للإسبان الذين أسلموا أو خضعوا


(١) افتتاح الأندلس (١٢).
(٢) الأخبار المجموعة (٢٣) وفتح الأندلس (٢٤).
(٣) الأخبار المجموعة (٢٣) ونفح الطيب (٣/ ١٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>