مكينة. ولما خرج معاوية لقتال عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه، لم يخرج معه نُصير، قال له معاوية رضي الله عنه:"ما منعك من الخروج معي، ولي عندك يد لم تكافئني عليها؟ "، فقال:"لم يمكنِّي أن أشكرك بكفري مَنْ هو أولى بشكري منك! "، فقال:"ومَنْ هو؟ "، فقال:"الله عزّ وجلّ"، فأطرق معاوية مليّاً، ثمّ قال:"أستغفر الله"، ورضي عنه (١).
ولا نعلم متى وُلِد، فالمصادر المتيسرة سكتت عن تاريخ مولده، كما سكتت عن أيامه الأولى، ولكنّنا نستطيع أن نستنتج: كيف نشأ وترعرع واستوى على عوده شاباً يشقّ طريقه في الحياة، بالمقارنة مع لِداته في عصره، الذين عاشوا في بيئة مشابهة من الناحية الاجتماعية لبيئته العامّة في مجتمعه العربي الإسلامي، ولبيئته الخاصة في أسرته القريبة من بني أُميّة ذوي الجاه والسّلطة، التي يتولّى فيها أبوه موسى المراكز الإدارية والقيادية المرموقة، والذي كان يتولّى فيها جَدُّه نُصَير المراكز الإدارية والقيادية أيضاً، فهو وأمثاله يُربّون تربية تفيد عقولهم بالعلم وتفيد أبدانهم بالتدريب العسكري، ويخالطون العلماء والقادة والإداريين عن كثب، فيتلقّون منهم عصارة تجاربهم في الحياة، ويتعلّمون منهم كيف يواجهون المعضلات وكيف يجدون الحلول الناجعة لها، فإذا أصبحوا كفاية وعُمْراً قادرين على العطاء، أُعطيت لهم الفُرص لإبداء كفايتهم في ميدان الإدارة أو في ميدان القيادة، أو في الميدانيين معاً، فأما الزَّبَد فيذهب جُفاءً، وأمّا ما ينفع النّاس فيمكث في الأرض، فما كلّ مَن عمل في الإدارة لمع في الإدارة، ولا كلّ مَن عمل في القيادة أصبح قائداً فاتحاً.
لقد نشأ عبد العزيز وترعرع وشبَّ في ظروف ملائمة كلّ الملائمة لاستكمال مزاياه الشخصيّة، فأبوه وجدّه من المقربين للبيت الأموي المالك، وظروف والده الإداريَّة والقياديّة بخاصة لا تخلو من مشاكل صعبة، تُعين
(١) وفيات الأعيان (٤/ ٤٠٢) ونفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب (١/ ٢٢٤ - ٢٢٥).