بطريقته التعبويّة الخاصة، فإذا أنجز واجبه كاملاً، فإنّ توجيهه لتنفيذ واجب جديد ضمن الخطة السَّوْقِيّة، يكون بأمر القائد العام وليس حسب رغبته وهواه، فليس للرغبة والهوى مجال في مثل هذا المجال، بل هي أوامر يصدرها القائد العام، وينفذها القائد المرءوس، وليس في الأمر رغبة شخصية، بل الأمر كلّه واجب ينفّذ، والضبط المتين هو السائد، والموقف جدّ صارم وطاعة كاملة.
وتمّت فتوح عبد العزيز خلال سنة أربع وتسعين الهجرية (٧١٣ م) وسنة خمس وتسعين الهجرية (٧١٤ م)، أي حين كان أبوه موسى على الأندلس، ولا أرى أنّ القوّات التي قادها عبد العزيز كانت قوات جسيمة، بل هي قوات خفيفة، مؤلّفة من الفرسان، سريعة الحركة، تستغل قابليتها في التنقّل السريع، لتحقيق أهدافها في الفتح. ذلك لأنّ المقاومة القوطيّة كانت تتمركز في المناطق الوعرة والجبلية في شمالي الأندلس، وفي المدن الأندلسية الشمالية النائية، وكان على موسى وطارق بن زياد، أن يقضيا على جذور المقاومة وعلى أصولها، وأن يجتثا جذورها من مراكزها الرئيسة في المناطق الوعرة والجبليّة في شمالي الأندلس، والمدن الأندلسية الحصينة في تلك المناطق الصّعبة النائية، لذلك كان من الصّعب الاستغناء عن قسم كبير من قوّات المسلمين التي كانت تعمل بقيادتهما المباشرة، لأنّ هدفهما في تطهير المقاومة القوطيّة، وفتح المدن الأندلسية الشمالية كانا بحاجة ماسة إلى قوّات جسيمة، لإمكان تهيئة أسباب تحقيقهما، كما أنّ المقاومة القوطية في وسط البرتغال، لم تكن مقاومة عنيفة، ولا يمكن مقارنتهما بالمقاومة القوطيّة في شمالي الأندلس، لذلك اكتفى موسى بتخصيص قوّات خفيفة لابنه عبد العزيز من أجل تحقيق أهدافه في تفتيت المقاومة القوطية في غربيّ الأندلس وفتح مدنها، فنجح عبد العزيز في ذلك نجاحاً باهراً.