وهمّته في فتح مدن جنوبي وجنوب شرقي الأندلس وغربيِّها، لتأمين جناحي طارق وموسى الأيمن والأيسر، فأصبحت قوّات المسلمين آمنةً مطمئنّة، وكانت قبل فتوح عبد العزيز في خطر عظيم.
وكان يطبِّق مبدأ: إدامة المعنويات، بثلاثة عوامل، هي العقيدة الرّاسخة، التي هي التّمسك بالدين الحنيف، وبالنّصر المؤزر، الذي أحرزه عبد العزيز وطارق وموسى، وبالقيادة القادرة المتميِّزة، التي هي قيادة عبد العزيز ومن قبله قيادة طارق وموسى، فكانت معنويات المسلمين في الأندلس عالية جداً، لأن عوامل إدامة المعنويات الثلاثة كانت متيسرةً يومذاك.
وكان عبد العزيز معنياً بالأمور الإداريّة، فلا نعلم أنّ قوّاته عانت من نقص في ناحية ما، من نواحيها الإدارية، بل كان وضعها الإداري جيداً للغاية، ويكفي أن نتذكّر ما حمله موسى معه من غنائم جسيمة من الأندلس، حين غادرها إلى دمشق. ومهما قيل في المبالغة بجسامة تلك الغنائم، فإنَّها تبقى دليلاً على أنّ المسلمين كانوا يعيشون في الأندلس عيشاً هو أقرب إلى الرفاهية والثراء منه إلى الفقر والعوز. ولا يمكن أن تكون القيادة الأندلسية تمتلك كلّ هذا الثراء الباذخ العريض، دون أن يظهر ذلك على القوّات الإسلاميّة التي تقودها في مسيرة أمورها الإداريّة.
إنّ قوّات المسلمين في الأندلس كانت في بحبوحة من العيش، ويمكن أن يكون وضعها من النّاحية الإداريّة، أفضل من وضع سائر قوّات المسلمين، في سائر أمصار الدولة الإسلامية، شرقاً وغرباً.
ويبدو أن عبد العزيز، كان يساوي بينه وبين رجاله، فكان يعيش بينهم، ويصلّي في مسجدهم، ولو أنّه اتّخذ حرساً لنفسه، وجماعة مختارة من رجاله لحمايته، ومكاناً خاصاً به في المسجد للصّلاة، لصعب على المتآمرين عليه في تنفيذ خطتهم في اغتياله، ولكنّهم استطاعوا اغتياله بسهولة ويسر، مما يدلّ على أنّه كان يساوي نفسه برجاله، ولا يتميَّز عليهم في شيءٍ من المظاهر الخارجيّة، التي يحاول أن يتميّز بها أصحاب السُّلطة والحكم.